النكران

اسامة ضبان
مدار الساعة ـ نشر في 2023/06/17 الساعة 20:25
من أشد صنوف العذاب على النفس البشرية، أن يكتشف المرء أن الإحسان الذي كانت تجود به نفسه تجاه من أحب، يصب في نهر مملوء بالطمي الجاف، والعوالق الخبيثة، والطفيليات التي لا هم لها سوى التغذي على دماء الآخرين، ومما قد يزيد شدة ذلك العذاب ويضاعفها، هو أن يأتي اكتشاف كل ما سبق بعد مضي نصف العمر، وربما بعد مضي العمر بحاله.
كان يقال قديماً أنك يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، أو بعض الناس كل الوقت، ولكن من المستحيل أن تخدع كل الناس كل الوقت، فكيف إذاً استطاعوا خداعنا كل الوقت، وقد كانوا لنا طوال العمر، كل الناس؟!!!!حين يمر بجانبك جار أو قريب، ويهمل أن يطرح عليك التحية، قاصداً أو ناسياً، تظل لفترة تسائل نفسك عن السبب، وتراجع قلبك عما يمكن أن يكون قد بدر منك بحقه وأدى به إلى ذلك النكران، نعم، النكران، فالنكران يبدأ من حيث التقاء عيون الرفاق دون أن تلتقي شفاههما وسمعيهما، ويمر بصنوف شتى من الخداع والتدليس والنفاق والخيانة، وينتهي بقتل الروح، نعم، هو قتل للروح، وتلقين الخير الذي في نفوسنا درساً لا ينسى، ولكنه درس بعد فوات الأوان، بل بعد فوات كل أوان، درس بتنا فيه نخشى من كل ما حولنا، ونتخذ الحذر درعاً نتحاشى به كل المارين الجدد، وكل العابرين، درسٌ قطع الشفقة والرحمة في قلوبنا من الوريد إلى الوريد، اسمه "النكران"، فتباً لهم، ولعنة الله عليهم إلى أبد الآبدين.
  • الرحمة
مدار الساعة ـ نشر في 2023/06/17 الساعة 20:25