المنظومة العربية 'والدولة القاعدة'
لعلّه لا نقاش في أن الوضع العربي العام لا يبشر بكثير من الخير فعدة دول عربية تعاني الآن من ظروف خطيرة تكاد تنقلها إلى وضع الدول الفاشلة كاليمن، والسودان، وليبيا، وسوريا، ولبنان، وفضلاً عن ذلك فإن بقية الدول العربية ليست أفضل حالاً بكثير الأمر الذي يفرض أن تتصدى إحدى الدول العربية لكي تكون دولة "قاعدة"، أو دولة "نواة" كما هو مُتعارف عليه في الأدبيات السياسية، بحيث تقوم هذه الدولة بلعب دور قيادي يوّحد الجهود ويوجهها لكي يتم تجاوز المشكلات واجتراح الحلول.
وفي ضوء انكفاء مصر بسبب ظروفها -وهي الدولة الأكثر تأهيلاً بين الدول العربية بحكم تاريخها وثقلها البشري وموقعها الجغرافي- فإنّ الدولة العربية الأكثر تأهيلاً للعب هذا الدور في هذه الآونة التاريخية هي المملكة العربية السعودية وذلك للاعتبارات الآتية:
أولاً: السعودية هي صاحبة أضخم اقتصاد في الشرق الأوسط، وهي أكبر مصّدر للنفط في العالم (ما يزيد عن 10 ملايين برميل في اليوم).
ثانياً: السعودية هي إحدى دول العشرين الغنية (G20) جنباً إلى جنب مع الدول الأكثر غنى في العالم كالولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وتركيا وغيرها.
ثالثاً: تتمتع السعودية بوضع خاص في منطقة الخليج العربي كونها الدولة الأكبر في دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية، عُمان، الإمارات، البحرين، قطر، الكويت) وغني عن القول أنها تلعب الدور الأهم في هذا المجلس بسبب ثقلها السكاني، والاقتصادي، والسياسي.
رابعاً: تحظى السعودية بدور قيادي في العالم الإسلامي بسبب وجود مكة المكرمة، والمدينة المنورة في أراضيها، الأمر الذي يضفي على قيادتها مشروعية خاصة نابعة من هذا البعد الإسلامي.
خامساً: انفتاحها السياسي الحالي على القوى العالمية الكبرى ففضلاً عن علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة والغرب عموماً فإنها تقيم تحالفاً مهماً وبخاصة على الصعيد النفطي مع روسيا من خلال منظمة أوبك بلس (Opic+) وكذلك تنمي علاقات اقتصادية وثيقة مع الصين الأمر الذي انعكس على رعاية الصين للاتفاق الإيراني السعودي الذي تم عقده أخيراً.
سادساً: الاعتدال والوسطية والبعد عن سياسة المحاور الذي اتسمت به السياسة السعودية تقليدياً وإذا استثنيا الفترة التي شهدت نزاعها مع مصر الناصرية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فإن علاقاتها العربية تتسم إجمالاً بالهدوء، والرغبة في التعاون، والابتعاد عن عوامل التوتر.
سابعاً: انخراط السعودية في مشروع تنموي ضخم (خطة 2030) الاستراتيجية الهادفة إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على النفط، وغني عن الذكر أن هذه الخطة مرتبطة بمشاريع عديدة كبيرة مثل مشروع مدينة "نيوم" التي يُفترض أن تتعاون فيه السعودية حكماً مع العديد من الدول العربية كمصر والأردن وغيرهما.
إنّ هذا الدور (دور الدولة القاعدة) يتطلب من المملكة العربية السعودية أن تكون على وعي بهذا الدور، كما يجب أن تُؤمن به وبما يترتب عليه من مسؤوليات تتم ترجمتها من خلال اجتماعات، ولقاءات، ومساعدات، وتدخلات، وتحالفات، ولعلّ القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في مدينة جدة السعودية تشكل بداية لممارسة هذا الدور السعودي المهم، وغني عن القول أن السعودية كان لها الدور الحاسم في عودة سوريا إلى الجامعة العربية وبغض النظر عن تعدد وجهات النظر في هذا الشأن، كما أنّ هناك بوادر لحلحة المشكلة اللبنانية حيث هناك مشاورات مهمة لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية حيث من المنتظر أن يكون للسعودية رأي وازن فيها، وفضلاً عن ذلك فإنّ السعودية وبالتعاون مع الولايات المتحدة تحاول الآن عقد مزيد من اللقاءات وتكريس مزيد من الهُدن لتجاوز مشكلة السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
إن المنظومة العربية تعاني ما تعانيه، ولذا فإنّ دور "دولة القاعدة" الذي يمكن للسعودية بما لها من ثقل وما لديها من امكانيات أن تلعبه قد يسهم وبدرجة كبيرة في التعامل مع المشكلات العربية والتغلب عليها وصولاً إلى وطن عربي أكثر قوةً وتوحداً وازدهاراً.