إسرائيل .... متى تفهم؟!

د. أحمد بطّاح
مدار الساعة ـ نشر في 2023/06/01 الساعة 12:03
إنّ المراقب الموضوعي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يَحار أحياناً في ذهنية صانع القرار الإسرائيلي ولا يملك إلا أن يسأل نفسه: هل يظن الإسرائيليون حقاً أنهم سيكسبون معركتهم النهائية مع الفلسطينيين بهذا الأسلوب القائم على القوة وإذا لم تنفع القوة فمزيد من القوة؟
إنّ منطق القوة الإسرائيلي هذا يعتمد على جملة عوامل معروفة هي:
أولاً: القوة العسكرية حيث يتبنى الغرب (وبالذات الولايات المتحدة) سياسة جعل إسرائيل أقوى عسكرياً من جميع جيرانها العرب (ناهيك عن الفلسطينيين)، الأمر الذي يعني تزويدها الدائم بأحدث الأسلحة فضلاً عما تنتجه هي من أسلحة بفضل تقدمها التكنولوجي.
ثانياً: الدعم السياسي اللامحدود الذي تقدمه لها الولايات المتحدة حيث تحميها هذه من أية تبعات سياسية قد تترتب على أفعالها التي قد تصنف أحياناً في خانة "جرائم الحرب" أو "جرائم ضد الإنسانية" وإلى درجة أن إسرائيل تبدو كدولة "فوق القانون"!
ثالثاً: الانقسام الفلسطيني والذي يبدو جلياً وغير قابل للجسر بين السلطة الوطنية الفلسطينية التي تؤمن بالنضال السياسي ولا ترى فائدة من "عسكرة" النضال الفلسطيني، وبين الفصائل الفلسطينية المسلحة (وبالذات حماس، والجهاد الاسلامي) التي نفضت يدها من الحلول السياسية واتفاقيات أوسلو، ولم تعد تؤمن إلا بالكفاح المسلح وتطوير سلاحها الذاتي وصولاً إلى وضع "قواعد اشتباك" مع الإسرائيليين بل وفرض "توازن رعب" مهم رغم تفاوت فعالية الأسلحة لصالح الإسرائيليين.
رابعاً: موجة التطبيع العربي حيث تمكنت إسرائيل من التطبيع مع ست دول عربية حتى الآن، وتقوم مقاربة إسرائيل الآن بزعامة نتنياهو على الالتفاف على النضال الفلسطيني وإنهاء القضية الفلسطينية من خلال التطبيع مع الدول العربية، الأمر الذي يضعف موقف الفلسطينيين، ويشعرهم بالخذلان، ويجعلهم يقبلون "بحكم ذاتي" محدود تحت الهيمنة الإسرائيلية.
ولكن من الزاوية الأخرى يبدو منطق القوة هذا متهافتاً وليس له مستقبل بالنظر للاعتبارات الآتية:
أولاً: أنّ للقوة حدوداً مهما بلغت فكلنا يتذكر كيف أن الولايات المتحدة ومن ورائها حلف الأطلسي خرجت مرتبكة مذعورة من أفغانستان بعد عشرين سنة من الاحتلال، كما أننا نلاحظ الآن أن الجيش الروسي وهو ثاني أقوى جيش في العالم يتعثر في معاركه مع جيش لا يُقارن به وهو الجيش الاوكراني، وما يزيد من تعقيد موقف إسرائيل هنا أنها تحارب شعباً تعيش معه (عدد الفلسطينيين يتساوى الآن مع عدد اليهود في فلسطين التاريخية)، وهو شعب متمرس بالنضال لم يتوقف عنه منذ مائة سنة تقريباً (صدور وعد بلفور عام 1917)، واللافت أن الشعب الفلسطيني يُطوّر أداوته النضالية باستمرار، وقد تمكّن أخيراً من تصنيع صواريخ تستطيع أن تُنيم الإسرائيليين في الملاجئ لأيام، وتستطيع شل مطار الدولة الرئيسي (مطار بن غوريون)، وتستطيع فرض "قواعد اشتباك" مع الطرف الآخر بندية مشهودة.
ثانياً: إن الدعم الأمريكي لإسرائيل لن يكون أبدياً بالضرورة فالعالم ينتقل تدريجياً ولكن بثبات من "عالم القطب الواحد" إلى "عالم متعدد الأقطاب". صحيح أن ذلك قد يأخذ وقتاً ولكن صناع القرار الإسرائيليين - إذا كانوا يتمتعون برؤية استراتيجية مستقبلية حقاً - يجب ألاّ يعوّلوا على دعم أمريكي أبدي فذلك ضد منطق الطبيعة والتاريخ.
ثالثاً: قلة فائدة التطبيع العربي لإسرائيل فالواقع أن هذا التطبيع يتم بين الأنظمة العربية وإسرائيل أكثر مما يتم بين الشعوب العربية وإسرائيل، والعالم العربي في حالة مُخاض تاريخي لا يستطيع أحد التنبؤ بمآلاته، ولعل مما لا شك فيه أن هذا التطبيع لن يفيد الإسرائيليين ما دام أنهم لم يتعاملوا مع المشكلة الحقيقية التي تواجههم وهي حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وعلى الأقل من خلال دولة لهم على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية. إن مقاربة إسرائيل القائمة على إنهاء القضية الفلسطينية من خلال مزيد من التطبيع مع الدول العربية لن تنجح ما دام أنها تتهرب من جوهر الموضوع وهو حقوق الشعب الفلسطيني.
إن القوة قد تعمي أحياناً عن مواجهة الحقيقة فقد تخيلت فرنسا يوماً أن الجزائر "مقاطعة فرنسية" وأنها لن تتركها أبداً ولكنها اضطرت لذلك بعد (130) سنة من الاحتلال وذلك بإصرار من الشعب الجزائري الذي دفع أكثر من مليون شهيداً ثمناً لحريته واستقلاله.
وقد تصورت الولايات المتحدة أنها تستطيع أن تهزم الشعب الفيتنامي الفقير بأسلحتها الهائلة والمتقدمة ولكنها خرجت مهزومة تعمل على إجلاء سفيرها في آخر لحظة من أعلى شقة في مدينة هوشي منه (سايغون سابقاً).
متى تفهم إسرائيل أن وسائلها لتركيع الشعب الفلسطيني فاشلة لا محالة وأن ممارساتها للقتل والاستيطان والترويع لن تفيد على المدى البعيد في وأد قضية شعب متجذر في أرضه، ومتعلم، ومتمرس في النضال.
نعم، إسرائيل... متى تفهم؟!
مدار الساعة ـ نشر في 2023/06/01 الساعة 12:03