حزب برامجي.. ما دقة المصطلح؟
لا أعرف حزبا في الدنيا ليس لديه برنامج, حتى تلك الأحزاب العابرة للجغرافيا أو الأحزاب الشمولية, وعليه فإن الحديث اليوم عن حزب برامجي يغدو ضربا من التسويف أو التقديم المتأخر للحياة الحزبية, وفي جوهره هو مجرد تبرير أو اعتذار عن غياب الحياة الحزبية, فالبرنامج هو وثيقة التزام بنهج ومنهج, يقدمه الحزب لجمهور الناخبين, كي يلتزم به حال وصوله إلى السلطة, وبالتالي فإن المطلوب هو البرنامج التنفيذي للحزب, المقرون أصلا بالنهج السياسي للحزب.
وللتوضيح أكثر, فما جدوى حزب يحمل برنامجا تنفيذيا للإسكان مثلا دون وجود سياسة واضحة للحزب في مجال الإسكان, تقوم مثلا بإعلاء شعار سكن للجميع, ولتنفيذه فإن سياسة الحزب التنفيذية تقوم على رفع رسوم واشتراطات البناء الأفقي, من فلل وغيره مقابل التسهيل والدعم لبناء الشقق التي تقل مساحتها عن 100متر, وتكون الرسوم الجمركية للمواد الداخلة في البناء شبه معفاة مثلا مقابل التزام بسعر عادل, وتقديم الأرض مجانا مقابل اجراء البنية التحتية.
أو مشروعا للنقل, يقوم بتوفير خدمات نقل عام في متناول الجميع, وبالمقابل رفع رسوم تسجيل وترخيص المركبات الخاصة, وسعر تجاري للمشتقات النفطية, باستثناء شاحنات النقل, الاساس سياسة الحزب, المتناغمة مع برناجه التنفيذي, فكيف يمكن انتخاب حزب سياسته المالية قائمة على دعم تخفيض الضرائب على القطاعات المصرفية او القطاعات غير الانتاجية مثل الاتصالات وخدمات الرفاه, في حين يطرح شعارا شعبويا مغريا على غرار تخفيض الضرائب, دون توضيح اي ضرائب يقصد بالتخفيض, كيف يمكن دعم حزب لا يضع شرطا واضحا بضرورة كشف مستوى خط الفقر في الأرد?, قبل الحديث عن الحد الأدنى للأجور وتاليا الدخل الفردي الخاضع للضريبة؟
الحزب سياسي بامتياز, والبرناج متغير وفقا للظروف السياسية والاقتصادية, فسياسة النقل والتعليم والصحة والاسكان, أهم من البرامج التنفيذية, فشعار التعليم للجميع ايضا شعار فضفاض, ما لم يتم توضيحه من خلال اعادة الاعتبار للمدارس الحكومية بكل المعايير, من المبنى الى الساحات الى المعلم الى المنهاج, وتجويده لأعلى درجة, بدل الاهتمام بالمدارس الخاصة التي تستنزف جيوب المواطنين, سواء تلك التي تقدم تعليما مميزا, او تلك الفئة التي تقدم علامات بسخاء وتعليم رديء وهي الاكثر انتشارا, وكذلك التعليم الجامعي الذي يستنزف ايضا الاه? على تخصصات لا تصلح للزمن, وهنا اود ان اوضح انني ضد الغاء اي تخصص, ولكن مع توضيح المطلوب وغير المطلوب في سوق العمل والقرار للدارس, دون صراخ لاحق عن عدم التعيين.
قصة حزب برامجي فيها ضبابية تضليلية, فنحن نريد احزابا سياسية, لديها برنامج تنفيذي, لمدة اربع سنوات على الاقل, نريد حزبا يساريا يطرح برنامجا للنقل من منطلق فهمه اليساري لشكل الملكية العامة او انحيازه لخصخصة الادارية, ثم حزب بسياسة دينية يكشف برنامجه عن الملكية العامة حسب المنهج الديني بأن الناس شركاء في ثلاث, او كيف يمكن ان يضع قانونا للزكاة يخفف من العبء الضريبي, ونريد حزبا ببرنامج ليبراي او رأسمالي يتحدث علنا وصراحة عن خروج الدولة من السوق وفتح الابواب للاقتصاد الحر, بدل تأميم في قطاع وتحرير في قطاع.
الحزب سياسي ويجب ان يتم فهم هذا من الجمهور, اما الاقتراع للحزب فهو على البرنامج التنفيذي ومدى مطابقته لفكره السياسي, اما ان يقوم امين عام حزب يساري بتخريج فوج من الوعاظ وهذا مثال لتبيان التناقض وليس واقعا, فهو لا ينتج حالة سياسية ابدا, بل هو تواطؤ على العقل والمنهج.
omarkallab@yahoo.com