ذوقان عبيدات يكتب: الجمال والحلاوة!
صحوت باكرًا وبذهني أن أكتب عن مسيرة مؤسسات بالدولة؛ بعنوان: ماشية بالتعشيق في إشارة إلى السيارات القديمة اللي خالصة بطاريتها، لكني فوجئت بحوارات غيرت هذا الجو تدعوني إلى شيء آخر!
حوار مع شخص يغريني بالكتابة عن التوجيهي ، وحوار آخر انتهى بكتابة موضوع جاد ورقيق!
تذكرت بعد الحوار الأخير حوارًا قبل عشرين عامًا حين قلت للمهندسة روان زعيتر التي صممت حديقة المنزل: علمتني الحديقة أن أكتب كلامًا رقيقًا وجاذبًا، وأبتعد عن النقد اللاذع،
كان هذا حقيقيًا، فالبيئة هي من تكتب، وليس بعيدًا عن ذلك ما حدث مع الشاعر علي بن الجهم الذي مدح الخليفة المهدي قائلًا:
أنت كالكلب في الحفاظ على الود
وكالتيس في قراع الخطوب!
غضبت الحاشية وأرادت قتله،
فقال الخليفة:
وهبتك بيتًا على ضفاف دجلة!
سكن الشاعر البدوي القصر وتنعم بالماء والخضراء والوجه الحسن، فأنشد:
عيون المها بين الرصافة والجسر
قتلننا من حيث ندري ولا ندري!
لاحظوا الفرق بين بيئة البادية وبيئة ضفاف دجلة! سأترك من دعاني للكتابة عن التوجيهي وأتحدث عن إيحاءات حوار هذا اليوم مع جمال عقلي ونفسي نادر!
وأبدأ مقالتي:
ما أسهل أن تكتب عن العنف والقبح والنقد وما أسهل أن تشنَّ هجومًا على مختلِفٍ أو مخالف لكنْ ما أصعب أن تتحدث عن الجمال والحلاوة والرقة والروعة! لكني سأحاول ركوب الصعب! فما اعتدت غير المعارك الصعبة!
١- حين تكون أمام من تحب! أو أمام عمل جميل، فإن من المهم أن تعرف كيف تنظر بيدٍ كانت تجيد اللمس، وكيف تلمس بعينٍ كانت تجيد النظر!! أمام الجمال تتداخل الحواس معًا؛ فالعين تلمس وتسمع وتذوق وتشّم
وتقرب بعيدًا، وتبعد قريبًا!
وكذلك الأذن ترى وتلمس، واليد تسمع وتنظر!
أمام الجمال لا يوجد قريب أو بعيد، وأمام الجمال تتعبد وتصلي لإلهٍ في العيون العسلية كما قال محمود درويش، أو في أي عيون أخرى؛ سواءٌ كانت خضراء أو سوداء أو بأي ألوان الطيف!
أو كما قال قيس :
تراني إذا صلّيْت يمّمْتُ نحوها
بجسمي وإن كان المصلّى ورائيا!!
٢-والحلاوة أجمل من الجمال!
فالجمال كما قالت العرب: طولٌ وخصرٌ وعينان ساحرتان، وشعر شلّالي أو قصير! لكن الحلاوة هي حضور وجاذبية وشخصية وحلاوة ونجاح وأناقة وتجدّد،
الجمال يتضاءل مع الزمن والحلاوة تتألق رغم الزمن!
ولذلك قالوا: الحلاوة أجمل من الجمال!
الجمال قد يكون وراثة لا فضل فيه لأحد، لكنّ الحلاوة هي تعلم وجِدٌّ وتعب، والفضل فيها لصاحبتها وصاحبها فقط!!
٣-والجمال والحلاوة والإحساس بهما هو حالة نفسية وليست موضوعية، فلا يمكنك أن تستمتع بحديقة جميلة إن كنت تعبًا أو مشوّشًا أو مهمومًا، ولكن الحوار الحلو قد يجعلك ترى كل قبيح جميلًا.
ولذلك ما أحوجنا إلى الحوار:
حوار عيون، حوار بسمات، حوار معانٍ وكلمات!!
هل هذا صعب؟
شكرًا لكل من يلهم!
شكرًا لمن يعي قيمة الذوق.
شكرًا لمن يهدي بسمته!
هل نحن على اتفاق؟