العتوم يكتب: واقع الادارة العامـة الأردنـية
د. راضــي العتــوم/ مدير عام معهد الادارة اعامة سابقا/
والمشرف الفني على مركز الدراسات والمعلومات بغرفة الرياض حاليا
تحدثنا بالمقالات الثلاثة السابقة عن مجموعة من التجارب العالمية المثلى، تمّ فيها تناول تجربة دولة متقدمة وهي بريطانيا، وتجربة دولة تعدّت مرحلة التحوّل التنموي Emerging Economy وهي الصين، ثم جرى تناول تجربة دولتين افريقيتين ناميتين استشرى بهما الفساد، والتخلّف التنموي، وهما دولتي نيجيريــا، ولاتفيــا. والحقيقة أن تجربة نيجيريــا حريّــة بالانتباه والتركيز لقربها، سابقا وقبل التطوير، كثيرا من واقع الادارة الأردنية، أما الآن فتعدّ دولة غاية في الاحترام لاداراتها العامة، ونموذجا افريقيا وعالميا في التحوّل التنموي الاقتصادي، والاداري.
يتحدث الكثيرون عن التجارب المثلى أو الناجحة، وقد صور الباحثون ومؤسسات التنمية الدولية أشكال ومواصفات التجارب المثلى، فلا شكّ بأن الملامح الحيوية لها هي التجارب تلك التي تقود الى الاستخدام الأمثل للموارد البشرية، والمالية، والمادية العامة في التنمية للدولة، وبالتالي فهي التي تنعكس نتائجها على زيادة كفاءتها وفعاليتها تنمويا من كافة النواحي الاقتصادية، والمالية، والفنيّة التكنولوجية، والادارة العامة للدولة كأساس ومنطلق لحماية، وتعزيز، وترسيخ النجاحات المتحققة على المستوى العام للدولة ككل.
وكما أشارت الأمم المتحدة، أن المغزى النهائي للتجارب المثلى حتى تعدّ مُثلى هو عند ربط تلك التجارب بالمؤشرات التنموية الهامة والتي من خلالها يقاس النجاح الوطني للدولة (James Katorobo, 1998 ) وعرّج عالم الادارة فريدرك تايلور Taylor على مقولة " يجب أن تكون هناك طريقة واحدة أفضل One best way لعمل أي نشـــاط" ، والتي ركزت بعدها الدراسات على أهمية ادخال العوامل المتحرّكة، والعوامل النفسيّـة في انتاجية العامل.
وجاء الباحثان أبسورن، وجيبلر Osborne and Gaebler عام 1992 اللذان درســـا قصص نجاح الادارة في القطاع العام واشتقا عشرة مبادئ للادارة الفعّالة، وهذه المبادئ هي (Osborne, and Gaebler, 1992) :
1. الحكومة التحفيزيـــة التي تقود ولا تجدّف.
2. الحكومة المملوكة من المجتمع التي تمكّن ولا تدّخر.
3. حكومة التنافس التي تغزز المنافسة بتقديم الخدمة.
4. الحكومة المبنية على رسالة هادفة.
5. الحكومة الموجهة بالنتائج التي ترصد الأموال وفقا للنتائج المستهدفة، لا وفقا للمدخلات.
6. الحكومة التي تخطط وتبني وفقا لحاجة المستهلك فتوفر حاجات الزبائن، لا تخدم البيروقراطية، ولا كبار التجّار والمتاجرين.
7. حكومة الأعمال والمشروعات التي تكسب أكثر مما تنفق.
8. الحكومة الوقائية الاستباقية بعيدة النظر التي تحمي وتقي المجتمع من المشكلات والعلل.
9. حكومة لامركزيــــة في التخطيط والتنفيذ، التي تخرج من الهياكل الى المشاركة وفرق العمل التنموية، وليست الأمنية.
10. الحكومة المبنيّة على توجه السوق فتحقق التغيير بالسوق، وتعزز الواقع المنتج.
وفي هذه المقالة، سوف نتناول منظور بعض المؤسسات الدوليّـة في اصلاح وتطوير القطاع العام، والنهوض بالتنمية الادارية والاقتصادية.
أولا: معهد الادارة البريطاني واصلاح الخدمة المدنية
بعد دراسات مستفيضة، والاطلاع على العديد من التجارب في اصلاح وتطوير الخدمة المدنية، خلص معهد الادارة البريطاني الى أن عوامل نجاح الاصلاح تعتمد أساسا على ثلاثة أمور هي:
الوعــي
الفهــــــم
والعمـق
فبخلاصة الدراسات تبيّن أن فهــم القــــادة لواقع ولبيئة العمل التي يعملون فيها، ووضع الطموحات بناء عليها، وتوفر القادة المناسبين، ووضوح بنيان الاصلاح وشكله هو ما يقود الى التغييرات المنشودة. وعليه، فقد تمّ تحديد عشرة عوامل تقود لدورة حياة الاصلاح (Panchamia, and Thomas , 2014 ) وهي:
1) الوضوح لفكرة الاصلاح والهدف 2) القيادة الشخصية الفذّة 3) درجة عالية وسليمة من الدعم السياسي 4) الطموح المرتبط بالأولويات المؤسسية 5) دعم الخزينة 6) وجود فريق متنوّع يكرّس جهوده لتحقيق الرؤية وبناء النموذج 7) توافر حتمي للقيم المتوازنة 8) الافادة المثلى من تطبيق الحوكمة والمساءلة 9) ادارة التحولات الحرجة، وأخيرا 10) بناء الائتلاف النهائي للقادة حول الاصلاح.
ويرى الخبراء والمختصون باصلاح القطاع العام أن الغاية النهاية من الاصلاح لادارة الدولة هي: أ) تحقيق ادخارات (اقتصادية) في الانفاق العام؛ ب) تحسين وتطوير جودة الخدمات؛
ج) جعل العمليات الحكومية أكثر كفاءة؛ د) وزيادة احتمال وامكانية أن تكون السياسات المختارة والمتبعة أكثر فاعلية.
بهذه النتائج، توصف التجربة بأنها تجربة مثلى تستحق المضاهاة والتطبيق.
ثانيا: تجربة دول منظمة التجارة والتنمية OECD في تطوير القطاع العــام
تقع الحكومات بدول منظمة التجارة والتنمية تحت الضغط لتحسين أداء القطاع العام، ولاحتواء النمو بالنفقات العامة. فقد أعدت دراسة معمّـقـة من قبل المنظمة بهدف استقصاء المحركات المؤسسية الرئيسسة القائدة التي يمكن ان تساهم في تطوير كفاءة القطاع العام، وركزت على واحدة منها بتعمق وهــي: معلومات الأداء ودورها واستخدامها في عملية اعداد موازنة الأداء. وقدمت هذه الى الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي (Curristine, Zsuzsanna and Joumard, OECD, 2007) )، حيث خلصت المنظمة الى انه ليس هناك دالة محددة Blueprint لتشجيع كفاءة القطاع العام، فدول المنظمة قد طورت اتجاهات متنوعة لاصلاح الترتيبات المؤسسية اشتملت على الآتي:
1. زيادة التحديث والتطوير Devolution واللامركزية؛
2. تعزيز القوى التنافسية؛
3. تحوير هيكل، وحجم، وترتيبات القوى العاملة والقوى البشرية؛
4. تغيير اجراءات وآليات اعداد الموازنات؛
5. ادخال النهج المعتمد على النتائج للموازنات وللادارة.
لقد أثبتت التجارب العملية لمنظمة التجارة والتعاون أن هناك ثلاثة عوامل مؤسسية يمكنها تطوير أداء القطاع العام واللامركزية للقوى السياسية ولمسؤولية الانفاق لتقع على عاتق الحكومات المحلية وحتى الفرعية فيها Sub-national وهي :
توظيف مناسب لادارة الموارد البشرية.
التركيز على قطاعي التعليم والصحة: فزيادة نطاق العمليات يمكنها من تحسين الكفاءة للقطاع العام.
زيادة الارتكاز على معلومات الأداء في عملية اعداد الموازنة، كمبادرة هامة تنتشر بين دول المنظمة، فهي جزء من العملية الجارية الساعية الى التركيز على اتخاذ القرار في الموازنة بعيدا عن المدخلات المبنية على تساؤل: "كم قدر من الأموال يمكنني أن أحصل عليها؟" باتجاه نتائج يمكن قياسها وهي " ماذا يمكنني أن أحقق بهذه الأموال؟".
ولعل خلاصة دراسات المنظمة أعطت البعد لمعلومات الأداء أهمية استراتيجية في النقلة النوعية للأداء الحكومي، فالفوائد المستخلصة من وجود معلومات الأداء أو الأداء المعلوماتي ( Performance Information (PI كنهج لاعداد وتطبيق ومتابعة وتقييم الموازنة فوائد حيوية لتحقيق الأهداف التالية (Curristine, Zsuzsanna and Joumard, OECD, 2007):
تولد تركيزا حادا على النتائج داخل الحكومة.
تزود بمعلومات أفضل وأكثر حول أهداف الحكومة وأولوياتها، وكيف لهذه البرامج بأن تحقق الأهداف تلك.
تشجع على تركيز أكبر على التخطيط والعمل كأداة تأشيرية تزود بمفاتيح للأفعال وبتفاصيل ما يتم العمل عليه، وما لا يتم عمله.
تحسن الشفافية بالتزويد بمعلومات أكثر وأفضل للبرلمان وللعامة، ولها امكانية تحسين الادارة العامة والكفاءة في عملها.
لقد طورت المنظمة خطوطا عريضة ومبادرات لتحسين استخدام معلومات الأداء في عمليات الموازنة للدول الأعضاء، وأهم العوامل الواجبة الاعتبار هي:
1. لا يوجد هناك نموذج موحّد للموازنــة لاتباعــــه؛ فالدولة يجب أن تطور اتجاهها الى ما يناسبها مؤسسيا وسياسيا.
2. التوافق على الاطار العام للتخطيط الحكومي وعلى التقارير المطلوبة هام وحيوي جدا.
3. معلومات الأداء يجب أن تتكامل مع وبعمليات الموازنة.
4. تجنّب تصميم نظم واسعة للحكومة التي تربط اتوماتيكيا نتائج الأداء بتوزيع الموارد؛ ذلك أنها يمكن أن تثبط الحوافز، ومن الممكن أن تكون صعبة التصميم لنظم تأخذ بالحسبان الأسباب وراء الأداء الضعيف.
5. يمكن تنفيذ تقويــــم مستقل لمعلومات الأداء.
6. لعل الدعم السياسي والاداري للقيادات حيوي وهام للتنفيذ.
7. إن قدرات موظفي وزارة المالية ومواردها، وانفاق الوزارات حرج وهام جدا.
8. توجهات الاصلاح ينبغي أن يرتكز على التكييف من أجل تطوير الظروف.
9. من الأهمية بمكان، تطوير حوافز لموظفي الخدمة المدنية وللسياسيين لتغيير سلوكهم.
10. أهمية معلومات الأداء بالنسبة للضرائب هامة جدا.
ثالثا: رأي البنك الدولي بهيكلة واصلاح القطاع العــام
أدار رئيس البنك الدولي جيــم كيــم Jim Kim حوارا متجددا reinvigorated debate حول كيف يمكن للمجتمع المتطور تحقيق مهمته بشكل أفضل للتخفيف من الفقر، وذلك في لقاء سنوي مع صندوق النقد الدولي. ففي خضمّ الحديث والمداولة، أوضح أن هناك حاجة ماسّة وسريعة لعلم التسليم / التوطين في التنمية؛ وهي أن تحمل سؤالا صعبا حول كيفية تجسير الفجوة فيما بين تصميم مشروع او سياسة جيدة، وبين تنفيذهما. هذا هو التحدي في قلب تعزيز المؤسسات العامة للدول الصديقة، حيث اشار الى أن هناك مشروعا للبنك الدولي حول تطوير الادارة العامة للسنوات 2011-2020. (Jurgen Srivastava, and Manning, World Bank, 2012) .
والسؤال الذي يطرح نفسه ويطرحه البنك هو، لماذا يصعب اصلاح القطاع العام ؟ والجواب يكمن في الأسباب التالية:
1. اعداد الاصلاح غالبا أصعب من التصميم والاعداد.
2. الدلائل محدودة على ما هو فعّال في التطبيق.
3. السياسة غالبا غير محددة المسار؛ منحرفــة Misaligned.
4. اصلاح الادارة العامة مشروع طويل الأجل، ومعقّد، وصعب القياس، كما أنه يصعب تقويمه، وأن نتائجه تكون ضمن سلسلة طويلة ومتراكمة.
5. يسأل المسؤولون عن التطوير عن التجارب المثلى، ولا يسئلون عن ما يضبط للواقع best fit.
6. من غير الواقعي أن نتوقع أن المستشارين يمكنهم البدء من الصفر لأي حالة ومناسبة.
7. الافتقار الى المعرفة المتطورة والناضجة لما هو قابل للتطبيق والعمل على اصلاح القطاع العام، ويصل الى الحدّ الأدنى من القصور والانتقاد.
رابعـــا: الدروس المستفادة من التجارب العالمية الأخرى
لقد تضمنت أنشطة اصلاح الخدمة المدنية جهودا تجعل الحكومة 1) أكثر تنظيما 2) وتفي بما عليها Affordable وذلك عن طريق اصلاح الرواتب والتوظيف Pay and Employment Reform 3) و صادقة في الاصلاحات المعلنة، ونزيهة ومكافحة للفساد Reforms Integrity and anti-corruption 4) وتستجيب لرغبة الشعب؛ وهذا يعني أنها تقترب كثيرا من الطبقة في المجتمع التي تعمل على أرض الواقع Grassroots ، 5) وتجعل الحكومة تنجز أفضل، وتسلّم أداء أحسن. وذلك بالاصلاح من الأسفل للأعلى أي من الجذور العاملين على الأرض الى أعلى القيادات المحلية ‘Bottom-up’ reforms.
وبشكل عام، فإنه في الدول النامية، فإن الأدبيات لاصلاح الخدمة المدنية قد خلصت الى التحديات والمصائدTraps التالية ( GSDRC Applied Knowledge Services, 2013) :
عدم كفاية الانتباه للسياسين؛ لعل فهم ديناميكة الاقتصاد السياسي يكون حرجا للاصلاح الفعّال Insufficient attention to politics كما أن الرعاية غالبا ما تكون تحديا هاما.
الولوج في زرع نماذج transplant الهياكل التنظيمية لدولة معينة على دولة أخرى بدون الأخذ بالاعتبار الاختلافات الجوهرية السياقية contextual differences.
التركيز الزائد على تصغير حجـم القطاع العام وتخفيض التكاليف؛ انّ التركيز الهائل على تخفيض التكاليف سوف يقلل من فعالية الحكومة، مما يؤدي بها الى الفشل في تحقيق الوفورات.
الفشل في تكامل أنشطة الاصلاحات ضمن سياسة عامة واسعة واطار تنظيمي متسع.
ولا شكّ فهناك مجموعة من العبر والتوصيات المستفادة من التجارب العالمية، والتي يمكن ايجازها، وكما جاء بالمصدر المذكور، بالآتي:
1. الفهم العميق للواقع يساعد في التخطيط والتنفيذ للاصلاح، فتأتي الحاجة الى قيادة سياسة محلية قوية لنجاح الاصلاح.
2. اتجاهات النظام المتكامل وكذلك الاتجاه الاضافي Whole-of-System and Incremental Approaches يكون ناجحا ومجديا، واتباع منافذ الفرص يعطي نجاحا للاصلاح.
3. ادخال أنظمة تعتمد التمايز Merit-based عبر تغييرات تنظيمية واسعة سيطور الأداء والمحاسبة، وأن المقدرة على جذب طاقم موظفين بأفضل تعليم سوف يقلل من الفساد، ويدفع بنمو كبير.
4. لا شكّ أن الدعم المالي Donor طويل الأجل من الممولين يساهم في نجاح اصلاح الخدمة المدنية.
5. لعل توجيه أداء الادارة العامة والتغييرات فيها تكون تحديا للاصلاح؛ لأنها من الصعب عليها تحديد نتائج ملموسة خارج الخدمة المباشرة المؤدية/ المقدمة.
خامسا: الدروس المستفادة وتطبيقها على واقع الادارة العامـــة الأردنــية
وعليه، وللخروج بخلاصة يمكننا الافادة منها في اصلاح وتطوير القطاع العام في الأردن، فإنه ينبغي علينا فهم وتشخيص واقع الاشكالات التنظيمية، والتشريعية وآليات رسمها، وآليات اتخاذ القرار الاقتصادي والاداري والتنموي، وآليات التطبيق، ومثالبه، وعثراته، وتشخيص كل مرحلة من مراحل التخطيط، والتنظيم، والتنفيذ، والرقابة، والمتابعة، والتقييم، والتقويم بعد التغذية الراجعة، واعادة تطوير ورسم الخطط التنفيذية في ظل نموذج متكامكل للخطة الاستراتيجية.
لا شكّ أن نموذج الاصلاح يبدأ بالاعتراف بالأخطاء وبالمسارات المؤلمة التي مرّت عمليات التخطيط والتنفيذ، كما يجب أن يُحاك التخطيط بدقة ليوازي مزايا الخدمات المتنوعة، فهناك عناصر متنوعة لها أوزان مختلفة وهذا يعتمد على الخدمة المراد تقديمها للمجتمع ولجمهور الزبائن. إذ أن المنطلق الأساس للاصلاح يتبلور في وجود رؤية صادقة وواضحة للحكومة، فإن لم تتوفر، فلا فائدة من البرامج مها كانت. كما أن كافة التجارب المثلى قد ركزت على قيادة الاصلاح من قبل رأس الحكومة، أي رئاسة الوزراء (كقياس في الاردن)، واقرارها للاصلاح كاستراتيجية وطنيّة يعمل عليها كافة الوزراء والمسؤولين بالدولة بنهج متوازن، ومتسق، ومتكامل. أما تجربتنا في الأردن، فقد أوكلت لوزير واحد وكا ما كان من نتائج.
وسنعرض فيما يلي خلاصة لأركان النجاح للتجارب المثلى المختارة للافادة منها في المملكة، وكما يلي:
1. مواطن نجاح تجربة الصين
تبنى الكونغرس برنامج اصلاح نظام الادارة وتحفيز بناء الحكومة، فبرز الاهتمام بالاصلاح على مستوى رئاسة الدولة كمشروع وطني استراتيجي.
استفادت الصين من تجربتي فرنسا وبريطانيا في التطوير.
عملت الحكومة على ايجاد نموذج وزارة للتطوير أسمته Super-Ministry System والذي يهدف الى بناء مؤسسات حكومية مثلى، ويعمل على نشر أمثل لدور الحكومة على أرض الواقع (Fangcheng Yuan, 2010,).
بشكل تدريجي ادخلت الحكومة الصينية أنظمة الاختيار والتعيين للقيادات وللكادر الحكومي.
أدخلت الدولة القواعد والطرق لتقييم الخدمة المدنية، وللجوائز، والتدوير الوظيفي، ومباديء تفادي استغلال الوظيفة العامة.
2. تجربــة لاتفيــا في تطوير ادارة الموارد المالية والكفاءة الاقتصاديـة
لقد استندت تجربة لاتفيا الى مهمة استشارية لمنظمة التجارة والتنمية في العام 2015 OECD (Klein, C. and R. Price , 2015) حيث تميزت بالآتي:
ركزت على أبعاد الكفاءة الاقتصادية للوصول الى تنمية الموازنة العامة، وبالتالي استدامتها.
ركزت على تحقيق الكفاءة بالانتاج والخدمات العامة، والتي ترتكز على فعالية الانفاق، وبرامج الضرائب في تحقيق أهداف الرفاه استنادا الى النمو والتوزيع، والعنصر الثالث هو كفاءة التكلفة؛ والتي ترتبط بالادارة، وبرامج انفاق المؤسسة ونظم الضريبة وما تتضمنه من سياسات لمحاربة الاقتصاد الخفي.
تمّ ادراج المستويات العليا من أولوية عدم العدالة والمعالم غير الرسمية للتهرب الضرائبي، والانفاق، ومقتضيات أخرى في اقتصاد.
عملت على تعزيز وتوجيه القدرات الاستراتيجية للمؤسسات، وتطوير ادارة الموارد البشرية.
ركزت على تعزيز الشفافية في المشتريات الحكومية، والتأكيد على أن تكون الحكومات المحلية مكتفية بمواردها ومستقلة من أجل تحفيز جودة الخدمات العامة.
3. تجربـــة نيجيريــا
كان حال نيجيريا شبيها بحال الأردن الى حــدّ كبير جدا، فكانت تعاني من البيروقراطية، والفساد، وتراجع مستوى أداء الدولة برمتها، وعند عودة نيجيريا الى الديمقراطية بعد الحكم العسكري، عكفت الحكومة برئاسة أوبسنجو Obasanjo الذي خطط ورسم وقاد التطوير بصدق وبتفان وعزم على اتباع نهج وبرنامج اصلاح جاد لاصلاح القطاع العام للفترة 1999-2013 (Okorie & Stella, 2014).
لقد تبنّى أبسنجو برامج اصلاحية بالتعاون مع دائرة التنمية الدولية البريطانية DFID عام 2004، لتقديم مساندة فنية في الاطار العام للتطوير وتحسين جودة الخدمات العامة، وأقرّ ذلك البرنامج المجلس التنفيذي الفدرالي SERVICOM. كما استفادت الدولة من التجربة الأمريكية في التطوير، وانفتح على العالم المتطور ليجلب أفضل الممارسات وتطويعها لتتماشى والواقع في البلاد، فركزت حكومة أوبسانجـو على مجموعة محاور هي:
1. اصلاح التقاعد.
2. سياسة تبديل المزايا الأخرى للموظف بالنقــد.
3. الحدّ من التسرّب المالي في كل أعمال الحكومة، وتحسين حزمة الانفاق.
4. اعادة هيكلة وزارات معينة كمشروع تجريبي Pilot Ministries ؛ معتمدا على التجارب العالمية المثُلى.
5. بنت كادر من الموظيفين مبني على التكنولوجيا ICT ليكونوا مهنيين متخصصين وذلك لحل مشكلات التضخم الوظيفي، ويعيد الثقة بالنيجيرين في مؤسسات الدولة العامة، وليحل الازدواجية والتداخل للوظائف بين المؤسسات والدوائر، فأدى هذا الى اعادة تموضع reposition الخدمة المدنية الفدرالية.
6. اتبعت سياسات للاصلاح المالي ولمحاربة الفساد بصورة جديّة وفعالة.
7. اصلحت نظام الرواتب.
8. وثقّت المعلومات الحكومية بالطريقة البيومتريــــة.
9. ركزت على تطوير الخدمات الحكومية للزبائن من المواطنين وغيرهم.
10. حاربت الاحتكار للقطاع العام، ومؤسسات الأعمال.
11. طورت الحكومة نظم المشتريات الحكومية وعملياتها واستحقاقاتها.
12. تمّ تأسيس الهيئات المناسبة والعاملة على ترسيخ واستدامة التطوير والاصلاح، ومحاربة الفساد واستئصاله.
4. تجربة بريطانيـــا
لا شكّ بأن اهتمام الحكومة البريطانية بالاصلاح مميزا، فعكفت الحكومة على رسم برنامج اصلاحي شامل بعيد النظر، واضح الرؤية، ومن أركان نجاحه (HM Government, 2012 ) ما يلي:
1. أوكل الاصلاح لمكتب نائب رئيس الوزراء للاشراف على تنفيذ البرنامج ومتابعته، وتقييم المؤسسات باجراء دراسات تقييمة مستمرة له.
2. لقد تكونت تجربة الاصلاح للخدمات العامة البريطانية من الضغوط كما أسمتها وحدة الاستراتيجية برئاسة الوزراء ،وهي ناتجة من أن الحكومة تقوم بالأداء من الأعلى للأسفل.
3. تستجيب الحكومة لضغوط المواطنين؛ وخياراتهم، وتمتثل لها.
4. تؤمن الحكومة ايمانا قاطعا بأن يكون لكل فرد امكانية الحصول على الخدمة العامة الكفؤة، والفعالة، والخدمة الممتازة، والعادلة، والممكّنة والمحسنة باستمرار.
5. تبنّت الحكومة "أنظمة التحسين الذاتي self-improving systems’ " ؛ حيث تدمج هذه الأنظمة فيما بين ضغط الحكومة والمواطن من أجل التحسين، وتوفر التنافس، ومقاييس تحسين القدرات والطاقات لموظفي الخدمة العامة للحكومة المحلية والمركزية.
6. عززت مفهوم الاصلاح بأنه يعني لأصحاب القرار تعزيز الكفاءة والفعالية. فيجب التأكد من أن الموارد تستخدم بفعالية، وتتأكد الحكومة من نتائج زيادة الاستثمار في توليد خدمات أفضل، وتحسين المنتج.
7. طورت مفهوم الخدمة العامة، فعمقت مفهوم أن الخدمة معولمة ، universal وينبغي أن تصل للجميع مجانية وبسلاسة وسواسية وخاصة للتعليم وللصحة وغيرهما. وهي خدمة كفؤة وفعالة ؛ تقدم قيمة لدافع الضرائب. وعادلة؛ تساعد على تخفيف الفروقات الاجتماعية، وتحسين فرصة الحياة، وفرصة تعويض المتضررين.
بهذه المفاهيم والمرتكزات، يمكننا اصلاح القطاع العام في الأردن قبل أن يزداد تدهورا، وهذا يعني الحفاظ على الدولة الأردنية من زيادة تدهور الاقتصاد، ومن تفاقم المشكلات الاجتماعية، والضغط الاجتماعي، وبالتالي تولّد حالات الانفجار والتطرف في المجتمع ، واتساع نطاقها بحيث لا يمكن السيطرة عليها، لا قدر الله. إنّ العقلانيّة والرشد لصانعي السياسات ولمتخذي القرار في الدولة العميقة النظر وبجديّة الى هذا الأمر وبأقرب فرصة ممكنة.
المراجــــــع
1. GSDRC Applied Knowledge Services, Civil Service Reform: Topic Guide, University of Birmingham, B15 2TT, UK , 2013 (www.gsdrc.org).
2. Fangcheng Yuan, A Study on Characteristics of China’s Government Reform in Different Stages since the Reform and Opening-Up and Its Prospects, Journal of Politics and Law , Vol. 3, No. 1, March, 2010 (www. ccsenet.org / jpl), Institute of Political Science, Huazhong Normal University, Wuhan, Hubei 430079.
3. Panchamia, Nehal and Thomas, Peter, Civil Service Reform in the Real World: Patterns of success in UK civil service reform, Institute of Government, 2014.
4. Klein, C. and R. Price (2015), “Improving public sector efficiency for more inclusive growth in Latvia”, OECD Economics Department Working Papers, No. 1254, OECD Publishing, Paris. http://dx.doi.org/10.1787/5jrw57p59bxx-en.
5. Jurgen Blum, Nick Manning, and Vivek Srivastava, Public Sector Management Reform: Toward a Problem-Solving Approach, The World Bank, Dec. 2012, No. 100.
6. Okorie, Cornelius Ofobuisi & Stella, Odo , A Survey of Public Service Reforms in Nigeria: 1999-2013, International Journal of Humanities and Social Science Vol. 4, No. 10; August 2014.
7. Katorobo, James , The Study of Best Practice in Civil Service Reforms, 1998.
8. Osborne, David, and Gaebler, Ted , Reinventing Government: How the Entrepreneurial Spirit Is Transforming the Public Sector. Reading, MA: Addison-Wesley, USA, 1992.
9. OECD (2015), “Executive summary”, in Government at a Glance 2015, OECD Publishing, Paris. DOI: http://dx.doi.org/10.1787/gov_glance-2015-3-en.
10. The Prime Minister’s Strategy Unit, The UK Government’s Approach to Public Service Reform, London, UK, 2006.
11. Andrews, Rhys , Downe, James and, Guarneros-Meza, Valeria, Public Sector Reform in the UK: Views and Experiences from Senior Executives, Country Report as part of the COCOPS Research Project, COCOPS),May 2013: www.cocops.eu.
12. HM Government, The Civil Service Reform Plan, June 2012. Website atwww.civilservice.gov.uk/reform..