حين تجرأوا على كشف «الفساد»!
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/20 الساعة 00:38
ما لم تتحرك في الموظف– أياً كان موقعه- نزعة “الغيرة” على المال العام، فإن ملفات الفساد وصفقاته المشبوهة ستظل تدور داخل الأدراج وفي الغرف المغلقة دون أن يكشفها أحد، ودون ان يتحقق حلم الناس برؤية “رؤوس” الفساد واقفين أمام موازين العدالة لكي ينالوا حظهم العادل من العقاب.
صحيح ان قانون هيئة مكافحة الفساد يكفل “الحماية” للموظف الذي يتطوع بالإبلاغ عن شبهة فساد، لكن الصحيح أن التشريعات وحدها مهما كانت لا تكفي، فأمام الموظف “تركة” ثقيلة من الوقائع التي تشده الى الوراء، حتى لو امتلك الغيرة والشجاعة لكشف المستور فإن ثقافة “وأنا مالي...؟” التي رسختها التشوهات التي أصابت الإدارة العامة (دعك من المجتمع ايضاً) تضغط باتجاه أن يبقى صامتاً، وربما باتجاه ان ينخرط في الفساد مثله مثل غيره من الذين غرقوا في “المستنقع” الحرام، بعد ان مدّ الفساد لسانه للجميع، وأصبح عنواناً “للهمة” والشطارة.
الصورة – بالطبع- لبست دائماً بمثل هذه “القتامة”، ففي زواياها “إشراقات” تستحق النظر والإشادة، وهذه تبعث داخلنا الامل بإمكانية إعادة الوعي الوطني لكي تصبح “عيون” الموظف (ومثل ذلك ضميره) مفتوحة على الخطأ لكشفه، وعلى التجاوزات التي يمارسها من يتربع على “كرسي” المسؤولية لوقفها بما يلزم من إجراءات، وأهمها الذهاب الى دائرة مكافحة الفساد لوضع “الملف” على الطاولة دون خوف او تردد.
خلال السنوات الماضية، تلقيت أكثر من رسالة من أشخاص امتلكوا الشجاعة لفضح ما توصلوا اليه بحكم وظائفهم من “ملفات” فساد، بعضهم نجح في ذلك دون ان تطاله “يد” الانتقام من المسؤولين عنه، وبعضهم وقع في “الفخ” ونال جزاءه دون ان يجد من يدافع عنه، ومع ذلك كان مقتنعاً بأن الثمن الذي دفعه هو جزء من واجبه الوطني فلم يندم على ذلك.
أشعر دائماً أن من واجب “الكاتب” (والإعلام عموماً) ان يساعد هؤلاء الشرفاء ويقف الى جانبهم، صحيح ان مهمة حمايتهم تقع على عاتق مؤسسات الدولة واهمها هيئة مكافحة الفساد، لكن هذا لا يعني ان لا نقف معهم جميعاً لأن “تركهم” لكي يدفعوا الثمن وحدهم سيؤسس لظاهرة مفزعة عنوانها “الاستقالة” من الإبلاغ عن الفساد وبالتالي سيجد الفاسدون أنفسهم أمام مجتمع استسلم لهم، وموظفين صامتين او خائفين لا حيلة لهم الاّ بالتستر على الفاسدين.
آخر نسخة وصلتنا لمن تجرأ على مواجهة الفساد وكشفه، بطلتها موظفة في احدى الوزارات، عرفت بكفاءتها واستقامتها ( اصبح اسمها متداولا في وسائل التواصل الاجتماعي)، وقصتها كما ذكرها بيان صدر عن مركز الشفافية الأردني، انه تم تعيينها مديرا عاما للعطاءات الحكومية بإرادة ملكية سامية بموجب كتاب مجلس الـوزراء رقم 4708 تاريخ 22/6/2014.ثم حصلت على حمايــة قانونيــة بموجب كتاب رئيس هيئة النزاهـــ ة ومكافحــة الفسـاد رقم 1/16/ه م ف/262 تاريخ 1/3/2016.
وسبب منحها الحماية القانونية يعود لطبيعة عملها التي تنطوي على العديد من المخاطر خاصة وأنها تمس العديد من القطاعات الاقتصادية المفصلية كقطاع الإنشاءات العامة والأشغال.
حيث جاءت الحماية القانونية بعد ادلائها بشهادتها أمام هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، إذ اشتملت الشهادة على معلومات على قدر عال من الأهمية، أدت إلى إلغاء عطاء كانت تزيد قيمته بحوالي 40 مليون دينار أردني عن الكلفة التقديرية، الأمر الذي جنب خزينة الدولة هذه الخسارة.
بعد ذلك تفاجأت الموظفة بالاستغناء عن خدماتها بعدم تجديد عقدها، رغم أن الوزير المعني طالب مجلس الوزراء بالتجديد لها، حسب مشروحاته المؤرخة 1/6/2017 على مذكرة رسمية .
لا يوجد لدي أي تعليق على القضية، ولا اعرف تفاصيل أخرى عنها، لكن ما اتمناه ان نسمع صوت من له علاقة بالامر، فاسوأ ما يمكن ان يفضي اليه الصمت على مثل هذه القضايا هو ان يقتنع الموظف والمواطن ان الفساد هو المستهدف بالحماية وان كل من يتجرأعلى كشفه او مجرد الإشارة اليه سيدفع الثمن، وسيعاقب بذريعة “تماديه” على الفاسدين.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/20 الساعة 00:38