الحكومة محظوظة باعتماد الأردنيين سلاح النكتة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/20 الساعة 00:19
في القراءة الافقية لمخرجات الانتخابات البلدية والمجالس المحلية، يمكن التقاط تطور نسبي على نوعية الفائزين بشكل يوحي بأن تطورا ملحوظا طرأ على مزاج الناخب الاردني، بعيدا عن هذرفات الحسابات الرقمية لتعداد الفائزين من كل عشيرة او تجمع ديمغرافي او تراشق الاتهامات لعدم فوز هذا التجمع او هذا المكون الطائفي او الديمغرافي، فأحد ابرز نتائج غياب الاحزاب اعتماد المرشحين على قواعدهم الاجتماعية سواء العشائرية او المناطقية، لكن ثمة تجويد ملحوظ في الخيارات العشائرية والمناطقية وثمة بارقة أمل لتكريس النزاهة في صناديق الاقتراع بعد ملاحظة عدم التدخل الأمني في الانتخابات الاخيرة، رغم استمرار العبث بارادة الناخبين من المرشحين من خلال المال الاسود وعدم ملاحقته بقوة من الاجهزة الرسمية.
يمكن قياس هذا التطور على مقياس اجتماعي يتعاظم يوميا، وهو مزاج النكتة او القفشة المجتمعية في التعليق او الانتقاد لتصريحات المسؤولين، وهذه الخطوة تكشف عن التقاط الاردنيين للمنهج السياسي الجديد في الاختلاف بعد ان كانت الشتيمة او الغضب عنوانا وحيدا لها، وكلما تطورنا على مقياس النكتة او النقد الضاحك كلما اقتربنا من دائرة العمل السياسي والقبول باحكامه وشروطه، ولعل حجم النكات والقفشات التي ظهرت بعد مقابلة رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي تكشف مدى تعاظم هذه الظاهرة الايجابية بالمناسبة، والتي كان الملقي نفسه احد محترفيها فالرجل يمتلك حس فكاهة وطرافة كانت تسنده في التعبير عن مواقفه السياسية كثيرا ولعلها احد اسرار نجاحه كسفير في جمهورية مصر العربية.
الملقي محظوظ اليوم بهذه الطريقة في انتقاد قرارات حكومته او في التعليق على تصريحاته، ليس بحكم مهارته كلاعب ماهر في هذا المضمار بل لقدرته على جمع الملاحظات ووضعها في مصفوفة سياسية تكون مرشدا لعمله ولقراراته القادمة، فالمزاج العام بات قريبا الى الملاحظة من خلال اعتماد الشارع الاردني للنكتة والقفشة كنهج مقاوم للسلوك الحكومي، والنكتة في النهاية قادرة على تفريغ الاحتقان الشعبي بأكثر من قدرة المظاهرة او الاعتصام، وبالتالي يتراجع منسوب الغضب العام الذي بات سمة اردنية ويتراجع منسوب النزق الشعبي الذي يتبدى في الشوارع والاحتفالات العامة وباقي المظاهر الاجتماعية والسياسية، فتضمن الحكومة بيسر وسهولة ومن خلال متابعة مواقع التواصل الاجتماعي الى معرفة المزاج العام وردود الافعال على القرارات وحسن الاستجابة لها.
المجتمع الاردني بدأ يكتشف ادواته الخاصة في المعارضة الشعبية العامة بعد تراجع دور واثر الاحزاب في الحياة العامة لاسباب بات اغلبها ذاتي، وتلك فرصة يجب تعظيمها ودعمها لتفريغ الشحنات السلبية الاجتماعية التي تتعاظم بفعل الحصار الاقليمي على الاردن وقلة حيلة الاجهزة الحكومية في ابتكار ادوات لمواجهته والتخلص من اثاره فالقرار ليس اردنيا بالعموم بل محكوم لادوات اقليمية متشابكة ومتناقضة واكتشاف النكتة كتعبير عن الغضب يشبه الى حد كبير السلك الثالث في الادوات الكهربائية “ سيلك الايرث “ الذي يفرّغ الشحنات الزائدة في الارض دون اضرار على المستهلك او الجهاز نفسه، وهذه الطريقة الجديدة ستسهم في تذويب النزاعات المجتمعية واعلاء قيمة الهوية الوطنية الجامعة التي تتعرض في كل موجة غضب الى جروح وندوب.
لا ادري اذا كانت الخلايا الالكترونية واجهزة الحرب الافتراضية واركانها مدركين لاهمية هذه التجربة وضرورة انضاجها وتثقيفها والعمل على تكريسها كنهج في المعارضة السياسية وكسلوك حضاري في التعبير عن الرفض او القبول وبات ضروريا الاستعانة بخبراء علم الاجتماع وادخالهم في الكتائب الالكترونية لتصبح هذه المهمة قائمة على العلم والمعرفة وليس على نشطاء لا يملكون الكفاءة اللازمة بقدر امتلاكهم للعلاقة السياسية الرافدة.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/20 الساعة 00:19