“الصحة العالمية” تكرر خطأها بإعلانها نهاية كورونا.. إليك عدد قتلاه، ومتى نفقد المناعة الجماعية ضده؟
مدار الساعة ـ نشر في 2023/05/09 الساعة 09:16
مدار الساعة - فيما قد يكون خطأ فادحاً مماثلاً لما فعلته في بداية الجائحة، أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية بسبب فيروس كورونا (كوفيد-19)، ولكن كثيراً من العلماء يحذرون من خطر الإعلان عن نهاية كورونا كحالة طوارئ عالمية.
ربما يكون إعلان كوفيد-19 حالة طوارئ عالمية قد انتهى رسمياً، لكن الجائحة ستظل معنا لسنوات عديدة. ولا يبدو أكيداً أيضاً أن الحكومات تعلمت ما يكفي من تفشيهذا المرض لتكون مستعدة لمحاربة أي فيروسات جديدة قد تؤدي إلى كوارث أسوأ، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
كان هذا ما توصل إليه العلماء الذين علقوا على خبر يوم الجمعة 5 مايو/أيار بأن منظمة الصحة العالمية (WHO) لم تعد تعتبر كوفيد-19- الذي أودى بحياة أكثر من 7 ملايين شخص على مدار السنوات الثلاث الماضية- حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً.
الإعلان عن نهاية كورونا يذكر بخطأ منظمة الصحة العالمية الفادح مع الصين
وتعرضت منظمة الصحة العالمية لانتقادات شديدة من خبراء صحة ومن دول عدة منها بلدان غربية واليابان على وجه الخصوص؛ بسبب طريقة تعاملها مع فيروس كورونا، في بدايته.
واتهمت بمجاملة الصين، بسبب تأخرها في إعلان حالة الجائحة، وكذلك انتقادها في البداية خطوة بعض الدول في حظر السفر من وإلى الصين، كما ركزت منظمة الصحة العالمية على الإشادة برد الصين على تفشي مرض كوفيد-19، وفشلت في إبراز الجوانب السلبية لاستجابة الصين.
حتى نائب رئيس الوزراء الياباني تارو أسو، أطلق عليها لقب منظمة الصحة الصينية.
كما تعرضت المنظمة إلى انتقادات لدعوتها في البداية انتشار الفيروس إلى عدم ارتداء الكمامات وقولها إن الفيروس لا ينتقل عبر الهواء.
بل قالت منظمة الصحة العالمية، في 14 يناير/كانون الثاني 2020، إن "التحقيقات الأولية التي أجرتها السلطات الصينية لم تقترح دليلاً واضحاً على انتقال الفيروس من شخص لآخر"، وكان ذلك نتيجة تصديقها لكلام المسؤولين الصينيين.
واستغرق الأمر ما يقرب من ثلاثة أشهر حتى تشعر منظمة الصحة العالمية أن انتشار الفيروس هو جائحة، حيث أعلنت أن تفشي المرض يعد جائحة في 11 مارس/آذار 2020، رغم مطالبات كثير من الخبراء بهذا الإعلان قبل ذلك بأيام عدة.
نعم الوفيات تراجعت لبضعة آلاف يومياً، ولكن هناك خطر فقدان المناعة
ورحب معظم الباحثين بالقرار لأنه يعني انتهاء أخطر مرحلة في تفشي كوفيد-19. ففي ذروة الجائحة، في يناير/كانون الثاني عام 2021، وصل معدل الوفيات العالمي إلى أكثر من 100 ألف شخص في الأسبوع. وتراجع هذا المعدل الأسبوع قبل الماضي إلى حوالي 3500.
لكن بعض مسؤولي الصحة والعلماء أشاروا أيضاً إلى أن المناعة التي تحمي من المرض لا تزال قصيرة الأجل، في وقت أرخيت فيه القيود التي كانت مفروضة سابقة لحماية الناس من العدوى بدرجة كبيرة. وحذروا من موجات العدوى المستقبلية وحتمية حدوثها.
وتلقى حوالي 4.9 مليار شخص – أو 63.9% من سكان العالم – جرعة واحدة على الأقل من لقاح COVID-19 حتى أواخر فبراير/شباط 2022. وتم تأكيد أكثر من 430 مليون حالة إصابة بـ COVID-19 منذ بداية الوباء، حسبما ورد في تقرير لموقع the Conversation الأسترالي.
أغلب سكان العالم باتوا محصنين نسبياً، ولكن إلى متى تبقى مناعتنا فعالة؟
ولكن السؤال إلى متى ستستمر المناعة الناتجة عن التطعيم أو العدوى النشطة أو مزيجاً من الاثنتين الحماية والمناعية؟
هذا سؤال صعب لأن الفيروس جديد نسبياً وظهرت متغيرات جديدة باستمرار. ومع ذلك، بدأ الباحثون في فهم أفضل لكيفية حماية المناعة الموجودة من الإصابة مرة أخرى والوقاية من COVID-19 الشديد الذي يمكن أن يؤدي إلى دخول المستشفى والوفاة.
تجدر الإشارة إلى أن الجرعات المتعددة من لقاحات COVID-19 تزيد من عدد خلايا الذاكرة B وبالتالي تمنع الإصابة مرة أخرى – أو العدوى الخارقة – بشكل أفضل عند مقارنتها بجرعة واحدة، كما تمنع المرض الشديد والاستشفاء.
يمكن أن تبقى خلايا الذاكرة في الجهاز المناعي لفترات طويلة – تصل أحياناً إلى 75 عاماً، وهذا يفسر سبب تطوير الأشخاص لمناعة وقائية مدى الحياة في حالات معينة مثل التطعيم بعد التطعيم ضد الحصبة أو الإصابة بعدوى الجدري.
لكن المشكلة تكمن في أن خلايا الذاكرة شديدة التحديد في طبيعتها. فإذا ظهرت سلالات أو متغيرات جديدة من الفيروس، كما كان الحال عدة مرات خلال جائحة كورونا فقد لا تكون خلايا الذاكرة فعالة.
يثير هذا السؤال التالي: متى تظهر السلالات المختلفة التي تستطيع خداع جهاز المناعة؟
الجسم لا يخسر المناعة فجأة
بحلول ثلاثة أشهر بعد الإصابة، يكون لدى الناس استجابة قوية من الأجسام المضادة.
ولكن بحلول ستة أشهر تقريباً، تبدأ الأجسام المضادة في الانخفاض. وهذا ما أدى إلى ما يسمى "ضعف المناعة" الذي لاحظه الباحثون في خريف عام 2021، بعد شهور من تلقي العديد من الناس التطعيمات الكاملة.
ولكن بعض الخلايا البائية طويلة العمر، تستمر في إنتاج أجسام مضادة ضد الفيروس. لهذا السبب، تم اكتشاف الأجسام المضادة ضد فيروس SARS-CoV-2 حتى بعد عام من الإصابة. وبالمثل، يمكن اكتشاف خلايا الذاكرة B لمدة ثمانية أشهر على الأقل، وقد لوحظت خلايا T القاتلة للذاكرة لما يقرب من عامين بعد الإصابة بـ COVID-19.
بشكل عام، ثبت أيضاً أن اللقاحات تحفز ذاكرة مناعية مماثلة لذاكرة العدوى الطبيعية. ومع ذلك، لا توجد دراسات طويلة الأجل للمقارنة حتى الآن.
ولكن أظهرت دراسة حديثة لم تخضع بعد لمراجعة الأقران أن جرعة ثالثة من اللقاح تزيد من تنوع خلايا الذاكرة B، مما يؤدي إلى حماية أفضل حتى ضد المتغيرات مثل omicron، حسب الموقع الأسترالي.
لكن مجرد الكشف عن استجابة مناعية لا يُترجم إلى حماية كاملة ضد COVID-19.
واستناداً إلى المقدار المحدود من الوقت والأبحاث التي تمكن الباحثون من دراسة فيروس كورونا، فلقد أصبح من الواضح أن بعض أشكال الاستجابة المناعية ضد الفيروس التي يمكن اكتشافها لأكثر من عام بعد الإصابة بـCOVID-19، قد لا تكون مستوياتها كافية لتوفير الحماية الكاملة ضد الإصابة مرة أخرى.
الخلاصة أنه تدريجياً ستنخفض مناعة البشر ضد فيروس كورونا، بدرجات متفاوتة حسب الأفراد وعدد الجرعات ونوع التطعيم، وقد تكون قد بدأت بالانخفاض بالفعل.
وهذا يعني أنه بعد مضي الزمن قدماً بعيداً عن ذورة التطعيم قد نشهد زيادة طفيفة ولكن بوتيرة مطردة للإصابات، لتحدث تراكماً بعد سنوات.
أما الزيادة الانفجارية فقد تحدث إذا تطور متغير للفيروس أو سلالة جديدة لا تستطيع اللقاحات الحالية التعامل معها.
ويبحث علماء المناعة الآن عن كيفية تطوير لقاحات يمكن أن تؤدي إلى استجابة طويلة الأمد للأجسام المضادة لمنع العدوى مرة أخرى.
هل رفعت منظمة الصحة العالمية الراية البيضاء أمام المرض؟
في تعليقه على الإعلان عن نهاية كورونا كحالة طوارئ عالمية، يقول البروفيسور ستيفن غريفين من جامعة ليدز: "لا يمكن لأحد أن يضغط على زر ويعلن أن الجائحة انتهت هكذا ببساطة، خاصة جائحة بهذا الحجم والدمار".
وتؤيد هذا الرأي البروفيسورة سوزان ميتشي، مديرة مركز تغيير السلوك في جامعة كوليدج لندن، التي تقول: "سواء صُنفت جائحة كوفيد-19 جائحة عالمية أم لا، تعاني بلدان كثيرة على مستوى العالم موجات كبيرة من العدوى، والآلاف يموتون أسبوعياً. وهذا سيستمر في المستقبل المنظور في غياب أي جهود عالمية لاحتواء كوفيد-19، ولتقليل احتمالية ظهور متحورات جديدة مدمرة".
بل كان البروفيسور بنجامين نيومان من جامعة تكساس A&M أشد انتقاداً للإعلان عن قرار نهاية كورونا كحالة طوارئ عالمية، إذ قال: "هذا الإعلان المفرح والمؤلم في الوقت ذاته يبدو راية بيضاء أكثر منه سبباً يدعو للاحتفال. فرغم التقدم الكبير الذي أحرزناه، يعكس هذا القرار واقعاً سياسياً أكثر منه طبياً لوضع كوفيد".
أثر الفيروس سيكون طويل الأمد
وقال كثير من العلماء لصحيفة The Observer البريطانية إن أثر الجائحة- رغم أنها تجاوزت ذروتها- سيكون عميقاً وطويل الأمد. فسببها، فيروس سارس-كوف-2، لا يزال يقتل شخصاً كل ثلاث دقائق، فيما يعاني كثير من المتعافين من التأثير المُنهك لفيروس كوفيد الطويل، الذي قد يصل إلى حد إصابتهم بعجز لعدة أشهر. وهو أيضاً تهديد مستمر لكبار السن والمصابين بمشكلات صحية، وهذا يضيف خطراً سنوياً جديداً للأمراض الموسمية مثل الإنفلونزا وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى التي تنتشر الإصابة بها في فصل الشتاء.
قال البروفيسور أندرو لي من جامعة شيفيلد: "لدينا الآن فيروس كورونا جديد يصيب البشر وسيستمر في إصابة البشر في المستقبل".
وباختصار، سيظل تأثير الجائحة محسوساً لفترة طويلة، سواء في شكل إصابات جديدة أو من أصيبوا فعلاً بمرض كوفيد الطويل.
والخوف الأكبر من ظهور فيروس جديد تماماً
يقول البروفيسور مارك جيت من كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة: "علينا أن نستثمر في أنظمة الرعاية الصحية للتعامل مع جميع الحالات الجديدة التي ستحتاج إلى رعاية كل عام. فقبل كل شيء، من الضروري أن تتضافر جهود العالم حتى نكون مستعدين بشكل أفضل لهذه الحالات الطارئة في المستقبل، سواء كانت ناجمة عن متحور جديد مميت من فيروس كوفيد، أو بسبب فيروس جديد تماماً لم نره من قبل".
وهذه النقطة الأخيرة تحديداً تثير قلق كثير من العلماء. فالتدمير المستمر للموائل الطبيعية في أنحاء الكوكب وفتح السفر الجوي إلى مزيد من أجزاء العالم كل يوم قد يؤديان إلى ظهور فيروسات جديدة، قد تنتقل إلى البشر في بعض الحالات، حسبما ورد في تقرير صحيفة The Guardian.
فقبل كوفيد-19، تسبب فيروس الإيبولا، وكذلك فيروسات كورونا المسؤولة عن متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، في انتشار أوبئة مقلقة، رغم أن أياً منها لم يكن بنفس التأثير العالمي لكوفيد. لكن هذا قد لا ينطبق على الفيروس التالي الجديد. فللأسف، لا يبدو أن الكثير من الحكومات تكثف جهودها لوأد تفشي أمراض جديدة قبل انتقالها إلى التجمعات السكانية.
يقول البروفيسور مارك وولهاوس من جامعة إدنبرة: "تُثار تساؤلات باستمرار عن إن كانت استجابتنا لكوفيد-19 كان يمكن أن تكون أفضل. وأتمنى أن تحدد هذه التساؤلات كيف كان بإمكاننا تقليل ليس الضرر الناجم عن الفيروس فقط وإنما أيضاً الضرر الناجم عن استراتيجية غلق جزء كبير من المؤسسات المجتمعية لتقليل معدلات انتقال العدوى. وبالنظر إلى التهديد المستمر لتفشي جائحة أخرى، من الضروري أن نتعلم الدرس".
وهذا الرأي يؤيده عالم النفس سيمون ويليامز من جامعة سوانسي، الذي قال: "حان الوقت لنفكر فيما تعلمناه خلال الجائحة وأن نستعد للقادم. وأظن أن حالة الطوارئ هذه علمتنا مدى قابلية الناس للتكيف والتعامل بإيجابية- وكمّ الناس الذي كانوا على استعداد للتضحية للحفاظ على سلامة الآخرين- وإلى أي مدى أيضاً كانت العديد من الحكومات والمؤسسات غير مستعدة".
وأضاف: "السنوات الثلاث الماضية علمتنا إلى أي مدى قد يبلغ صمود الأفراد، وأيضاً مدى حاجتنا إلى تحسين الصمود المؤسسي. وهذا يعني أن نحرص على تحسين استعدادنا لأي حالات طوارئ صحية في المستقبل".
مدار الساعة ـ نشر في 2023/05/09 الساعة 09:16