حين تكلموا بالقضية

حسين الرواشدة
مدار الساعة ـ نشر في 2023/04/24 الساعة 22:47
تذكرت حادثة استأذن بنشرها، لكن قبل ذلك اسجل ملاحظتين على الهامش : الاولى ان افضل ما يمكن ان نفعله اذا عجزنا عن تقديم ما ينفع الناس ويطمئنهم على ما يراودهم من هواجس ومخاوف هو ان نصمت ونتجنب فتح الموضوعات التي تثير الانقسام في المجتمع، اما الملاحظة الاخرى فهي انه لا يجوز لاحد منا، مهما كان وزنه السياسي او الاجتماعي، ان يزاود على ولاء الناس لوطنهم والتصاقهم بأرضهم وتضحياتهم من اجل ان يبقى الاردن واقفا وصامدا، ويتمتع بعافيته وامنه واستقراره التي ساهم الاردنيون كلهم فيها.
الحادثة اختصرها كاريكاتور مثير نشرته احدى الصحف الفرنسية إبان الازمة التي كانت محتدمة بين فرنسا وألمانيا، فقد ظهر في الصورة الاولى مطعم يرتاده مختلف اطياف المجتمع الفرنسي، وبدت الجلسة دافئة جدا، حيث يأكل الجالسون ويتسامرون بمنتهى الانسجام والألفة، والى جانبها بدت صورة ثانية للمطعم ذاته، وفيها تحول الانسجام الى صراع ومشاكسات، وظهر الوجوم والخوف والكراهية المتبادلة على كافة الوجوه، وبين الصورتين كتبت عبارة واحدة ( حين تكلموا بالقضية ).
الرسام الفرنسي – آنذاك – كان يستمد فكرته من حدث انشغلت به الساحة الفرنسية، حيث اتهم احد الضباط المشهورين بالتدخل لحساب ألمانيا، وانقسم الفرنسيون – وقتها – بين مؤيد للتهمة ومحرض على المحاكمة وبين متعاطف مع الرجل ومقدر لبطولته ومطالب بعدم محاسبته.. والكل كان يدافع عن صورة ألمانيا وسمعتها مع اختلاف الزوايا طبعا.
القضية لم تكن كبيرة لتستحق ما حدث من انقسام في الشارع الفرنسي، والاختلاف حول براءة الضابط من عدمها لم تكن لتبرر مثل هذا الانشطار الاجتماعي، لكن المجتمع الفرنسي كان وقتها بحاجة الى قضية، اي قضية، يعلق عليها ما تراكم داخله من انكسارات او الى قناة مفتوحة ينفس من خلالها احتقاناته السياسية، وحين وجدها ابدع في تحويلها الى قضية كبرى، او الى صراع بين مشروعين، تماما كما حدث في اكثر من محطة من محطات التاريخ المثقل بالتحولات والتغيرات، وغالبا ما كانت بسبب قشة قصمت ظهر البعير.
السؤال الذي يجب ان نواجهه هو : كيف يمكن ان تتحول القضية - اية قضية - من صاعق متفجر الى “رمز” للوحدة والتضامن ومراجعة الذات وتصحيح المسارات...؟
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2023/04/24 الساعة 22:47