الفرجات يكتب: هل هنالك تشكيل حكومي خلفا لحكومة بشر؟
جاءت حكومة الرزاز قبل نحو خمسة أعوام لتخلف حكومة الملقي، والذي كان قد نبش عش الدبابير بفتح ملف الإستحقاقات الضريبية التي يجب أن تقونن على الكبار، والذين حركوا التيارات التي وقفت على الرابع، فسقطت حكومة الملقي الرئيس العنيد الذي كان يرى للبلاد الفرج بالأفق، واليوم زاد الكبار غنى وزاد من وقف على الدوار فقرا.
كان لا بد لصانع القرار من تكليف حكومة تحمل مشروعاً يستهدف تحقيق الإكتفاء الذاتي لتحقيق دولة تعتمد على ذاتها ضمن فكر نهضوي، يرضي اليمين والوسط واليسار طالما أن الشارع بأطيافه بدأ بإسقاط الحكومات وهذا خطير جدا، ولأن الرزاز رجل يرى النهضة هي سبيل تحقيق دولة القانون والمؤسسات والصلابة السياسية والإقتصادية، كلف الملك الرزاز، وجاء كتاب التكليف السامي بمخطط يحمل مشروعا نهضويا وطنيا شاملا.
حكومة الرزاز واجهت ملفات إقتصادية قاسية، وإستمرت بوضع الأطر القانونية والفنية والمالية لإحداث النهضة المنشودة، ولكنه كان قد فاتها بث الفكر النهضوي كما يجب، وبدأ وباء كورونا والحظر الشامل، واستنفدت الحكومة كل إمكاناتها أمام واقع تنموي صعب، كان يشير إلى عدم جدوى استمرارها أمام صانع القرار، وأن المشروع النهضوي دولة الإنتاج قد إنتهى حكما.
كان الخيار الأسلم إجراء تشكيل حكومي لا يحمل أي مشروع، بل عليه تحقيق التكيف والتعايش والتأقلم مع ظروف الوباء، لتأمين خروج آمن للبلاد من الحال الذي أثر على كل القطاعات والمؤسسات والأسر والأفراد سلبا.
قبل عامين بدأ الوباء يرى نوعا من التقهقر، فأطلق الملك ثلاثيته السياسية الإقتصادية الإدارية، وكلفت لجان لذلك؛ شعبية وحكومية ووضعت توصياتها، وتعهد الملك أمام شعبه بإدخالها حيز التنفيذ، على أن تحقق حكومات برلمانية فاعلة أمام وجود معارضة صحية تقيم وتقوم ضمن آليات منظومة حزبية تمكن الجميع من المشاركة بصنع القرار (إنتخاب، عمل حزبي، أحزاب تصل البرلمان، أحزاب تشكل أغلبية نيابية وتشكل حكومات، وأقلية تراقب وتقيم وتقوم وبمثابة المعارضة)، مقابل إنتعاش إقتصادي يشمل كافة القطاعات ويلمسه الشعب، على أن يقود الشباب المرحلة مع تعزيز دور المرأة السياسي، وتعزيز الإدارة المحلية الفاعلة في المحافظات لتصبح محركات تنموية إقتصادية منتجة وحسب ميزتها التنافسية.
كل ذلك يريده الملك بالتزامن مع تحقيق قطاع عام قوي فاعل محوكم، يتصف بالنزاهة والشفافية وجودة المنتج وحداثة الوسائل، حيث أن أياً من الطموحات السابقة لن تتحقق إن بقي القطاع العام على حاله.
قادت حكومة بشر الخصاونة المرحلة خلال ذروات وباء كورونا الأخيرة، وأمنت خروجا آمنا للبلاد من الوباء الفتاك، وتسلمت ملف ثلاثية الملك، إلا أن الواقع الاقتصادي وهو التحدي الأصعب يزداد سوءا، لتبدأ حرب روسيا-أوكرانيا فتعقدت الأمور، ويتزامن مع ذلك ظهور ملامح التغير المناخي لتهدد الأمن المائي والغذائي وطنيا وإقليميا على الأقل، بجانب النفط الذي يواصل الارتفاع مع دول منتجة تخفض الإنتاج.
هنا وجب القول بأن البعض فقط يدرك أن قوات حدودنا الشمالية التي ضبطت تدفق اللاجئين وكبحت جماح مد الفكر المتطرف وقوى الإرهاب، تحارب اليوم قوى الشر التي تستهدف أمننا الوطني والقومي بإغراق البلاد بالمخدرات لتصبح آفة الشباب، وكل ذلك كلف إقتصادية على الخزينة.
إذن:
هنالك ثلاثية ملكية جاءت على أنقاض المشروع النهضوي "دولة الانتاج"، وتعد بتحسن واقع الحريات، وتمكين الجميع من صنع القرار عبر الآليات سابقة الذكر، بدلا من الحراكات والاعتصامات وإغلاق الشوارع وغيرها، كما وتعد بتحسن الإقتصاد وتحقيق فرص العمل للشباب وتحسن مستوى الدخل، وتحسن واقع وجودة وشمولية الخدمات والبنى التحتية والفوقية والشبكات، ليرتقي مؤشر السعادة والرفاه المجتمعي ضمن الطموح.
بينما هنالك شعب ينتظر ويراقب ويقيم ويستقرئ ويترجم الأحداث بدقة " وقد أشرت اليوم إلى ذلك في محاضرة دورية لي أقدمها لمجموعات أمريكية تزور المملكة، عندما سئلت عن مدى ثقافة ووعي الشعب الأردني بما يدور حوله"، وعلينا للشفافية والمصداقية أن نقول بأن الأمور فاقت بكثير مقدرة الناس على التحمل؛ إقتصاديا ونفسيا.
الملك يدرك تماما عدم مقدرة الحكومة وحدها لتحقيق مخرجات الثلاثية المؤملة، وضمن برنامجها الزمني والإمكانات المالية المتوفرة ومقدرة القطاع العام على حاله.
الديوان الهاشمي ومكتب الملك بدوائره التنموية والسياسية والاقتصادية والاعلامية، ومكتب سمو ولي العهد إنخرطت لذلك بتقديم إسناد ملكي يعزز ويحفز عمل الحكومة، فعقدت بحضور الملك وولي عهده منذ أشهر عشرات اللقاءات العملية في قصر الحسينية وفي الميدان، وذلك مع مختلف القطاعات (الصناعية والزراعية والسياحية والاستثمارية والتعليمية والخدمية والشبابية والاعلامية... إلخ)... وكانت تركز على دورها في إنجاح ذات القطاع المعني، وكذلك ضمن ما هو مخطط لها في ثلاثية الملك، والأمر يستهلك طاقات الملك بشكل أو بآخر أمام تحديات إقليمية ودولية عليه أن يهتم بها.
الإقليم في آخر شهر كان قد شهد تطورات متسارعة على صعيد الصراع السياسي؛ لنسمع عن جهود صينية في تحسين الأجواء بين الرياض وطهران، يليه آمال مؤكدة بإنتهاء الحرب بين السعودية واليمن، وتراجع حدة ووتيرة السيطرة السياسية الإيرانية شمال الإقليم، مما يعني حاجة الحكومة إلى الإستعداد للتعامل مع الأوضاع المستجدة؛ سياسيا وإقتصاديا، ناهيكم عن أهمية ودقة التعامل ملف التعنت الإسرائيلي مؤخرا... والسؤال هل تملك ذلك؟
بالتأكيد فجلالة الملك يضع كل التحديات على طاولته، ويضع بجانبها مقدرة السلطة التنفيذية (التي أستنفدت نفسيا وجسديا) على إكمال المرحلة، ويؤكد أن أية حكومة قادمة ستستمر بالعمل على تحقيق الثلاثية لإيمانه بهذا الخيار.
وأخيرا فنحن جميعا كشعب وملك ندرك جيدا أن التدرج الزمني والنضج الحزبي السياسي لم يتحققا بعد، وأن الأحزاب ليست مهيأة تماما بوضعها الحالي وحداثة تجربتها لتشكيل الحكومات خلال السنوات الخمس القادمة على الأقل.
عليه، فقد تشير بوصلة صانع القرار إلى أهمية إجراء تشكيل حكومي قريب جدا، يحمل مهام إكمال وتنفيذ ثلاثة الملك، مع شيء من التحديث وبما يناسب تطورات المرحلة، ومعايرة مضامين الثلاثية بقناعات الملك التي نتجت عن لقاءاته التي أشرنا إليها مع معظم القطاعات.