تريدون معارضة رخيصة ؟ تفضلوا..!
مدار الساعة ـ نشر في 2023/04/12 الساعة 00:33
إذا سألتني عن أسهل (أرخص: أدق) معارضة تطفو على سطح حياتنا السياسية سأجيبك على الفور: المعارضة «بالصراخ»، فهي غير مكلفة أبداً، المعارض لا يحتاج الاّ «لميكرفون»وشاشة وبعض الديباجات المثيرة، وجمهور من المتفرجين، جاهز للتصفيق، وقضية مثيرة تشغل الناس، كما انها مفيدة ومجدية، فبالصراخ -وحده- يستطيع ان يصل ويضمن «مقعداً» على مدرّج «الشخصيات الوطنية»، وأن يضرب «بسيف» المعجبين والمتعاطفين، والمتعطشين للدقّ على خزان الحكومات، لكي تضعه في الحسبان، عند توزيع الغنائم، إذا اقتضى الأمر.
يمكن ان تدقق في الصور التي أمامك، والاخرى المخزونة في الذاكرة، ستجد -بلا شك- عشرات وربما مئات النماذج لمثل هذه «المعارضات» التي هي أقرب الى الاستعراضات أو «الشو الإعلامي»، لدرجة أنك تعتقد بأن حياتنا السياسية كلما تعطلت حركتها، او تراجع اداؤها، أصبحت بحاجة لمثل هؤلاء الذين «يدبون» الصوت ليستحوذوا على المشهد، او لكي يغطوا عليه، تماماً كما نستعين بالدخان احياناً للتغطية على حدث ما، او كما يستخدم بائعو اسطوانات الغاز «السمّاعات» لايقاظ الزبائن (ازعاجهم لا فرق).لا يمتلك «أصحاب» الصوت العالي، في العادة، افكاراً كبيرة، ولا برامج محددة، وليس لديهم مواقف او قيم ثابتة، لديهم فقط «بصمة» الصوت، ويتحركون دائماً على «إيقاع» الصراخ، ولديهم «حساسات» دقيقة لقياس رغبات الجمهور واتجاهاته، وجاهزون دائماً للانقضاض على خصومهم، كما يفعل الصياد «الشاطر»، حين يطلق رصاصته، او حين يضع «الفخ» للإيقاع بفريسته.المعارضة الحقيقية التي يفترض ان تعبر عن ضمير الناس والمجتمع، هي وحدها التي تكشف «رداءة» هذا النموذج، وهي الكفيلة بتنفيس هذا «البالون» الكبير الذي يملأ فراغ غياب «الفعل»، لكن في غياب هذه المعارضة الحقيقية غالباً ما يكتشف الناس مبكراً «زيف» هذه الأصوات، سواء بالاعتماد على خبراتهم التاريخية التي مروا بها، او بانتظار اول «امتحان» صعب يفرز المواقف واصحابها، فيسقط امامهم «المهرج» على خشبة المسرح، ويبقى «البطل» الأصيل، واقفاً لا يأبه بالكومبارس، ولا يخاف من المتفرجين.صحيح، قلت «البطل» قاصداً، لأن المعارضة «بالصراخ» تحاول فعلاً ان تتقمص دور «البطولة» كما يحاول أصحابها ان يلهموا الجمهور (يستغلوه أدق) بأنهم الأبطال المخلصون، أحياناً نصدقهم لأننا لا نرى في الميدان غيرهم، او لأننا بحاجة فعلاً لمن يتحرك ويعارض ولو بدب الصوت، او لأن «التربة» مجدبة وتحتاج لمن يصب عليها الماء، حتى لو كان مالحاً، وأحياناً أخرى تصدمنا «أصواتهم» العالية، فنتمنى لو أراحوا واستراحوا، او نستغشي ثيابنا، ونغلق آذاننا، لأننا نخشى من الصمم.المعارضة «بالصراخ» لها -بالطبع- نسخ متعددة ومختلفة، فهي لا تقتصر على المجال السياسي وان كان حضورها فيه أوضح، ففي جامعاتنا أساتذة يصرخون، وفي اعلامنا صراخ تحت لافتة الحرية، وفي شوارعنا صرخات باسم الفقر والجوع أو اليأس والغضب، لكن من المفارقات أن «الصراخ» السياسي يحاول دائماً الإجهاز على كل هذا الصرخات لكي يوظفه لحسابه من خلال «معارضة» تصرخ، او قرارات صارخة تريد ان تسكت الجميع.السؤال: متى سيخرج مجتمعنا من «فزعة» المعارضة بالصراخ، ، الى «التوافق» على أحزاب تعارض حقاً بالبرامج والخطط وبمنطق الصوت العاقل الرزين، وعلى «حكماء» موثوق بهم، يلهمون المجتمع ببطولات حقيقية، ومواقف مبدئية، ويكون هدفهم خدمة البلد، فقط، بلا تمثيل او خوف او مكياج...متى ستختفي الأصوات العالية التي لا صدى لها الاّ في الكهوف المهجورة، وتظهر العقول المتوازنة التي تفكر باسم البلد، وتنطق باسم ضمائر الناس...؟اخشى ان اقول : ان انتظارنا سيطول كثيرا..
يمكن ان تدقق في الصور التي أمامك، والاخرى المخزونة في الذاكرة، ستجد -بلا شك- عشرات وربما مئات النماذج لمثل هذه «المعارضات» التي هي أقرب الى الاستعراضات أو «الشو الإعلامي»، لدرجة أنك تعتقد بأن حياتنا السياسية كلما تعطلت حركتها، او تراجع اداؤها، أصبحت بحاجة لمثل هؤلاء الذين «يدبون» الصوت ليستحوذوا على المشهد، او لكي يغطوا عليه، تماماً كما نستعين بالدخان احياناً للتغطية على حدث ما، او كما يستخدم بائعو اسطوانات الغاز «السمّاعات» لايقاظ الزبائن (ازعاجهم لا فرق).لا يمتلك «أصحاب» الصوت العالي، في العادة، افكاراً كبيرة، ولا برامج محددة، وليس لديهم مواقف او قيم ثابتة، لديهم فقط «بصمة» الصوت، ويتحركون دائماً على «إيقاع» الصراخ، ولديهم «حساسات» دقيقة لقياس رغبات الجمهور واتجاهاته، وجاهزون دائماً للانقضاض على خصومهم، كما يفعل الصياد «الشاطر»، حين يطلق رصاصته، او حين يضع «الفخ» للإيقاع بفريسته.المعارضة الحقيقية التي يفترض ان تعبر عن ضمير الناس والمجتمع، هي وحدها التي تكشف «رداءة» هذا النموذج، وهي الكفيلة بتنفيس هذا «البالون» الكبير الذي يملأ فراغ غياب «الفعل»، لكن في غياب هذه المعارضة الحقيقية غالباً ما يكتشف الناس مبكراً «زيف» هذه الأصوات، سواء بالاعتماد على خبراتهم التاريخية التي مروا بها، او بانتظار اول «امتحان» صعب يفرز المواقف واصحابها، فيسقط امامهم «المهرج» على خشبة المسرح، ويبقى «البطل» الأصيل، واقفاً لا يأبه بالكومبارس، ولا يخاف من المتفرجين.صحيح، قلت «البطل» قاصداً، لأن المعارضة «بالصراخ» تحاول فعلاً ان تتقمص دور «البطولة» كما يحاول أصحابها ان يلهموا الجمهور (يستغلوه أدق) بأنهم الأبطال المخلصون، أحياناً نصدقهم لأننا لا نرى في الميدان غيرهم، او لأننا بحاجة فعلاً لمن يتحرك ويعارض ولو بدب الصوت، او لأن «التربة» مجدبة وتحتاج لمن يصب عليها الماء، حتى لو كان مالحاً، وأحياناً أخرى تصدمنا «أصواتهم» العالية، فنتمنى لو أراحوا واستراحوا، او نستغشي ثيابنا، ونغلق آذاننا، لأننا نخشى من الصمم.المعارضة «بالصراخ» لها -بالطبع- نسخ متعددة ومختلفة، فهي لا تقتصر على المجال السياسي وان كان حضورها فيه أوضح، ففي جامعاتنا أساتذة يصرخون، وفي اعلامنا صراخ تحت لافتة الحرية، وفي شوارعنا صرخات باسم الفقر والجوع أو اليأس والغضب، لكن من المفارقات أن «الصراخ» السياسي يحاول دائماً الإجهاز على كل هذا الصرخات لكي يوظفه لحسابه من خلال «معارضة» تصرخ، او قرارات صارخة تريد ان تسكت الجميع.السؤال: متى سيخرج مجتمعنا من «فزعة» المعارضة بالصراخ، ، الى «التوافق» على أحزاب تعارض حقاً بالبرامج والخطط وبمنطق الصوت العاقل الرزين، وعلى «حكماء» موثوق بهم، يلهمون المجتمع ببطولات حقيقية، ومواقف مبدئية، ويكون هدفهم خدمة البلد، فقط، بلا تمثيل او خوف او مكياج...متى ستختفي الأصوات العالية التي لا صدى لها الاّ في الكهوف المهجورة، وتظهر العقول المتوازنة التي تفكر باسم البلد، وتنطق باسم ضمائر الناس...؟اخشى ان اقول : ان انتظارنا سيطول كثيرا..
مدار الساعة ـ نشر في 2023/04/12 الساعة 00:33