هذا الاختناق لا حل له
مئات آلاف التعليقات على أخبار تأجيل أقساط القروض او عدم تأجيل القروض، تثبت ان هناك حالة اختناق مالي عند العائلات الأردنية، وهذا الاختناق لن يتم حله في يومين او ثلاثة.
على مشارف شهر رمضان، عادت الاسئلة اذا كانت الاقساط سوف يتم تأجيلها ام لا، عن شهر 3، وكانت المعلومات المتسربة من مصادر مطلعة تقول ان لا تأجيل، لأن التأجيل في الاساس تم سابقا بسبب وباء كورونا، وليس بسبب شهر رمضان، مثلا، وكان حجم التعلق والامل الشعبي بصدور قرار بالتأجيل، يؤشر إلى وضع العائلات، وحاجتها الى اي مساعدة مالية، برغم معرفتها المسبقة، ان التأجيل سيؤدي الى زيادة قيمة القرض، مع الفوائد، لكنه “الدواء المر” الذي لا بديل عنه، في ظل تعقيدات تواجهها العائلات، امام ضغط الالتزامات، والمواقيت، والديون، وفي كل الاحوال لم يتم التأجيل فراهن الناس على الشهر الذي يليه، اي الشهر الحالي.
عادت القصة في شهر 4، وتناقضت المعلومات، تارة يتم نشر معلومات حول تأجيل مرتقب، فتقرأ تعليقات تحتفل بالقرار قبيل العيد، بسبب حاجة الناس، ثم نفي جهات متخصصة لوجود تأجيل وتقرأ تعليقات حادة تعبر عن الغضب، وحاجة الناس الى التأجيل، بسبب قلة السيولة، والتزامات العيد، بأي طريقة كانت، سواء تم التأجيل بفوائد ورسوم، او بدون فوائد او رسوم، والذي يحلل التعليقات المحبطة، يدرك ما هو اهم من قسط شهر او شهرين، اي ان اوضاع الناس صعبة جدا، ولا يمكن التهوين منها، تحت عنوان يقول ان هذا الشعب متطلب ومتذمر.
حتى الآن يبدو أن لا تأجيل على اقساط البنوك، لشهر 4، إلا اذا حدثت معجزة، أو تحول مفاجئ، لكن حتى ساعة كتابة هذه السطور، لا نية للتأجيل، أبدا، ولا بحث اساسا في هذا الملف.
من المذهل جدا ان تستعصي الحلول على الناس، والتعبير عن الوضع الاقتصادي يجري عبر مسربين، اما فئة غالبة لا يكفيها دخلها لأقل احتياجاتها، ولا حلول لديها نهائيا، واما فئة تراهن على حلول مؤقتة، مثل الاستدانة من غيرهم، او جدولة القرض، او انتظار قرار بتأجيل القسط.
هناك تحولات عميقة في المجتمع، إذ إن الفقر يتمدد، وله تأثيرات اجتماعية حادة لا يراها كثيرون، ولا تهم بعض اصحاب القرار، برغم كلفتها المرتفعة التي تتمثل بالعنف والطلاق والجرائم وتفشي المخدرات، وغير ذلك من مشاكل تتعمق اكثر واكثر، بحيث صارت مهمة الدولة، محاولة اطفاء الازمة الاصلية، من خلال معالجة النتائج، التي تنجم عن ظاهرة الفقر الحادة.
هذا العام، تراجعت نسبة التبرعات من جانب الافراد لغيرهم، والذي يعملون في العمل الخيري يدركون ان هناك تراجعا في الدعم المالي للفقراء، لأن المتبرعين يواجهون مشاكل اصلا، واموالهم تتناقص، وارباحهم تتراجع، وهذا حال يمتد الى المتبرعين الكبار، وحتى الافراد الذين باتوا يشقون تحت وطأة التزاماتهم الشخصية، والنتيجة هنا ان محاولات اطفاء الفقر على الصعيد الشعبي، تتعرض الى تغيرات جوهرية تعمق من الازمة، وتجعل الناس المحتاجين في العراء.
كل الأردن يقف على قدم واحدة بانتظار خبر صدور التأجيل، والقرار نهاية المطاف، ليس قرار الناس، لكن اللافت للانتباه ان يتمركز الرأي العام فقط عند هكذا قصة، بحيث تصير هي الاولوية الاولى، فتنهمر التعليقات الفرحة في حال ثبوت التأجيل، وتشتد التعليقات الغاضبة في حال ثبوت عدم التأجيل، فيما المشترك بين الحالتين، الحقيقة هي أن الناس تعاني ظروفا صعبة تخنقها، فكل شيء لا يتم إلا بالديون والقروض، من السيارة الى الشقة، مرورا بالاستدانة لغايات التعليم او العلاج، وحتى الزواج!