عبد الهادي راجي يكتب: أين الدولة؟

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2023/04/08 الساعة 15:00

زمان كنا كل بضعة أشهر نجلس على طاولة الملك, لا يمر العام دون أن نلتقي الملك ..ونسمع منه ما يقول , ويعرض لنا الموقف الأردني والصعوبات , ونشاهد ضحكاته ونحس بألمه ...زمان كان للديوان مايسمى (بالكيبل) الموصول في أقلامنا , والذي نعرف من خلاله البوصلة وتحركات الدولة . تغير المشهد اليوم , لم نعد نشاهد الملك لم نعد نسمع منه ..حتى رئيس الوزراء عقد لقاء يتيما لبعض الكتاب ومراسلي الوكالات الأجنبية وأغلق الدفتر بعدها , تلك اللقاءات لا تسجل في إطار إعطاء المعلومات وتبيض موقف الأردن فقط , بل كانت تسجل في إطار رفع معنوياتنا وإعطاء قلوبنا الطاقة لكي ندافع عن البلد بما يجب , ولكي نكتب بما يمليه علينا الضمير . ربما لم تعد الصحافة من أولويات الأجندة الداخلية للبلد , وربما استبدالها ببعض المدونين صار أولوية لدى البعض , وأنا أجزم أن من أعطى هذه الوصفة ...هو من يريد أن يدفن الإعلام الأردني , دون قراءة الفاتحة عليه ..ودون حتى أن يعطيه أدنى اعتبار أو أدنى ما يستحق من درجات التقدير . تلك مشكلتنا في الأردن مشكلة من يكتبون الوصفات , من يحاولون أن ينظروا للبلد من مقاسات (اكمام) بدلاتهم الفاخرة , وسياراتهم الكلاسيكية , من يحاولون أن يقسموا الأردن إلى جيل متطور يؤمن بالتوك التوك والفيس بوك وتويتر , ويقدم هذا الجيل باعتباره المعبر عن الوعي المزيف وعن الدولة وهويتها وضميرها , وبالمقابل يقدمنا نحن باعتبارنا العبء الحقيقي والإرث المهتريء واللغة التي ضاعت . من يقدمون الوصفات التدميرية تلك , يكرهون لغة فهد الريماوي وراكان المجالي لأنهم لم يمتلكوا لا تاريخ فهد ولا لغة راكان , ويكرهون كل مقال يصاغ على وزن النبض الوطني ...لأنهم دوما نظروا للتمويل الأجنبي والإذاعات الحداثية , وأمريكا وكل من لف لفيفها على أنها وحدات القياس للغة وهي التي تعبر عن مفهوم الوطن , ومفهوم الحب ...من يمتلكون الوصفات التدميرية تلك هم ذاتهم , الذين عجزوا أن يستنشقوا الأنفاس القومية في لغة طارق مصاروة ...كونهم لايعرفون مشروع طارق ولا تاريخ طارق , هم ذاتهم ..من لم يقرأوا حرفا من كلام كامل الشريف وجورج حداد وفخري قعوار ...وفخري كان يساريا بالفطرة , كان اليسار لديه مشروع حياة ولم يكن وسيلة للوصول إلى السلطة ...إن انتزاع الأردن من تاريخه هو جرم أقرب للخيانة , كل من ينظر إلينا على أننا الجيل الذي انتهى والذي يجب تجديده عبر التحالف مع نجوم التفاهة وما يسمى بالسوشيال ميديا , نجوم البناء الخاوي والثقافة التخريبية ..هو بحد ذاته ناقم على البلد وتاريخها وأهلها .. نحن نحتاج للملك , مثلنا مثل نجوم الأعمال الريادية ..مثل قادة البنوك , مثل نجوم الأحزاب ..مثل الذين تقاعدوا من الجيش وظل الوفاء ديدنهم ...نحتاج أن نلتقي الملك ليس على أسس الخيارات التي تصنع في المكاتب المغلقة , وتكون العلاقة الشخصية فيها هي المقياس ..بل على أسس الوعي الحقيقي وليس المزيف ..على أسس الوطنية الصادقة وليس المصطنعة وعلى أسس الخوف على البلد وليس اعتبارها بنكا للتسليف وسداد القروض . وأعود إلى سؤالي أين الدولة ؟ من يجيب على هذا السؤال هو الإعلام الحقيقي الملتزم ..ومن يدافع عن مشروعها هو الوعي , ومن يحمي بوصلتها هو العقل القادر على خطاب الشارع بما يمتلك من معرفة ووطنية ..الدولة تعرف وتقدم بما نمتلك من صدق في الحرف لا في التزلف والنفاق ....والدولة لا تصنف الناس ولا تبني تحالفات جديدة , ولا تردم التاريخ أو تنتقي منه ما يناسبها ...الدولة تراها في قلوبنا وعيوننا ومساراتنا ومسلكنا ...الدولة حين تتوه علينا استردادها ...والملك يبقى ضميرها وعنوانها , ومن يعملون بمعيته عليهم أن يدركوا أننا لا نقدم طلبا مشفوعا فيه بعض التوسل , بل نقدم ضرورات وطنية ..فيها كل أشكال الولاء .. من ضيعوا هيبة الإعلام في الأردن , نعرفهم بالإسم والشكل والوجوه المستعارة ..وكم وجها بدلوا , ونعرف أيضا حجم السواد في القلوب وغياب البياض ..ونعرف أنهم يكرهوننا لأننا نحب البلد بقلوبنا وليس بحسب مقاسات (اكمام) بدلاتهم الفاخرة.

مدار الساعة ـ نشر في 2023/04/08 الساعة 15:00