تنظيمات 'الإسلام السياسي' وضرورات المراجعة
مدار الساعة ـ نشر في 2023/03/27 الساعة 13:06
لقد بدأت التنظيمات السياسية الحديثة التي ترفع "الإسلام" شعاراً لها مع بدايات القرن العشرين تقريباً، فقد أسس الإمام حسن البنا حركة "الإخوان المسلمين" في مصر في عام 1928 من القرن الماضي وتبعتها حركات أخرى كثيرة وبمسميات مختلفة، أو كانت في الواقع فروعاً لها فمن المعروف أن حركة "الإخوان المسلمين" في مصر اعتبرت نفسها تنظيماً عالمياً ومركزاً مرجعياً للحركات المثيلة في دول عربية وإسلامية كثيرة، وغني عن القول أنّ هذه الحركات الإسلامية قد تباينت في الوسائل التي تريد اعتمادها لأسلمة المجتمع والدولة، فقد بدأت حركه "الإخوان المسلمين" في مصر مؤمنة بالأسلوب الدعوي والتربوي لتأسيس مجتمع مسلم أولاً قبل الوصول إلى الحكم الإسلامي، أمّا حزب التحرير الإسلامي فقد بدأ مؤمناً بأولوية الوصول إلى الحكم والسلطة قبل تأسيس المجتمع الإسلامي (شعاره يزع الله بالسلطان مالا يزع بالقرآن) والواقع أن "حركة الإخوان المسلمين" بدّلت فلسفتها الآنفة الذكر مع ظهور مفكرها الأبرز "سيد قطب" الذي أفتى بجاهلية المجتمع المعاصر، وأنّ "الحاكمية" هي لله فقط كما ورد في كتابه (معالم في الطريق) الصادر في عام (1964) فاتحاً الطريق فكرياً لكثير من التنظيمات الإسلامية التي آمنت بضرورة الإصلاح من منظور إسلامي ولو بالقوة والعنف كما حصل بالنسبة للتنظيمات "الجهادية" الإسلامية.
ومع ثورات الربيع العربي الذي بدأ "بثوره الياسمين" التونسية في عام 2011 دخلت التنظيمات الإسلامية في كثير من الدول العربية في خضم معركة التغيير واستطاعت الوصول إلى الحكم في أكثر من دولة عربية كمصر (رئاسة الدولة)، والمغرب (رئاسة الوزراء)، وتونس (رئاسة الوزراء)، وغيرها، ولكن المتأمل في مسيرة "الإسلام السياسي" يلاحظ إخفاق تنظيماته في مختلف الدول العربية وقد تمثل أول هذه الإخفاقات في إزاحة الرئيس محمد مرسي عن كرسي الرئاسة في مصر (من خلال الجيش المصري)، ثم إزاحة سعد الدين العثماني عن منصب رئيس الوزراء في المغرب (من خلال الانتخابات)، وأخيراً إزاحة حزب النهضة التونسي برئاسة "الغنوشي" عن رئاسة البرلمان التونسي (بتدخل من الرئيس التونسي) وبعد تولي إثنين من زعماء النهضة لمنصب رئيس الوزراء في عهد الثورة، ناهيك عن إزاحة "البشير" عن رئاسة الجمهورية السودانية بعد ثلاثين سنة من الحكم بالتحالف مع جبهة الانقاذ الإسلامية وتفرعاتها المختلفة.
وبالطبع فإنّ هناك من يعيد هذا الانحسار لهذه التنظيمات ذات التوجهات السياسية الإسلامية إلى تآمر من قبل "الدولة العميقة" في بعض الدول تارة، وإلى تآمر القوى الخارجية - وبالذات الغربية منها - والتي لا تريد أن ترى تجربة إسلامية ناجحة وواعدة كما يُعتقد على نطاق واسع.
إنّ نظرية المؤامرة تقدم في العادة تفسيراً مريحاً لحركة الأحداث فبدلاً من البحث في الأسباب الموضوعية الكثيرة والمعقدة التي قد تكون كامنة وراء حدوث ما يحدث، يمكن الاكتفاء بإلقاء التبعة على قوى داخلية ذات مصالح معينة أو خارجية حاقدة ومعادية، ولكي نكون منصفين فإنه لا بدّ من الاعتراف بأن قوى المؤامرة قد تكون موجودة فعلاً وبالذات حين تتضارب مصالح الطبقات الاجتماعية أو الدول، ولكن الصحيح أيضاً هو أن هناك عوامل أخرى قد تكون موجودة لا بدّ من البحث عنها وتحييدها حتى ولو كانت متعلقة بطبيعة المنطلقات أو السياسات أو حتى الطرائق والإجراءات، وفي ظل هذا الفهم الموضوعي القائم على الوعي بكافة القوى والمتغيرات المؤثرة فإنه مطلوب من حركات الإسلام السياسي أن تراجع نفسها بدءاً من المسلمات والافتراضات، ومروراً بالنهج والسياسات، وانتهاء بالسبل والاستراتيجيات. إن الطروحات التي جاءت حركات الإسلام السياسي بها قد تكون جميلة، وتلامس مشاعر معظم المسلمين في البلدان العربية (الإسلام هو الحل مثلاً)، ولكن هل كانت واقعية حقاً؟ هل تضمنت حلولاً مقنعة لمشكلات جماهير المسلمين في التعليم، والطاقة، والمياه، والبيئة كي يتبنوها ويدافعوا عنها؟
هل كانت تأخذ بالاعتبار مصالح القوى الفاعلة في المجتمع وإمكانيات مقاومتها؟ هل جاءَت متوافقة مع مفاهيم العصر وملامح تقدمه الصناعي والتكنولوجي المتسارع؟ هل كانت قادرة على التعامل مع السياسة الدولية ومصالح الدول النافذة بحيث لا تشعرها بالتهديد وبالتالي تسمح لها بمساحة من العمل؟
إنّ هناك أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح في هذا السياق والفكرة التي أريد التأكيد عليها هنا هي: ضرورة الاعتراف بالإخفاق بكل الشجاعة الأدبية التي يقتضيها ذلك، والأهم هو المراجعة الموضوعية والذكية لكل ما تعلّق بالمسيرة السياسية وصولاً إلى تصويب واستئناف.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/03/27 الساعة 13:06