افتحوا أعينكم أيها الأردنيون
ما هي القضية التي تشغل اهتمام الأردنيين اليوم ؟ تأجيل أقساط البنوك، ما هي القضية التي اشغلتهم قبل أسبوع مثلا؟ قضية الكلاب الضالة. قبل أربعة أسابيع أو أكثر؟ قضية فيلم الحارة..يمكن أن أسترسل في عرض اهتمامات الأردنيين وانشغالاتهم على امتداد الشهور الماضية، النتيجة هي أن كل هذه الفزعات، سواء اكانت في المجال السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي والديني، مجرد «شو إعلامي « كتبه مجهول، والأبطال الذين يتقافزون على المسرح مجرد ممثلين يتبادلون الأدوار، فيما الكومبارس يردد، والجمهور يصفق.
لقد تحولنا فعلا، إلى مجتمع «فرجة»، أو أن الفرجة تحولت إلى مجتمع، الدور الذي نمارسه يوميا هو أن نتفرج على ما يحدث، ونتابع تفاصيله، ونندمج فيه متأثرين، بالسخط او بالرضا، لا فرق، الأردنيون -أغلبهم - فقدوا القدرة على الفعل والتمييز، وقبلها فقدوا الكثير من الحكمة والإيجابية، المسؤول عن ذلك «نخب « وجدت في هذه المناخات القلقة والمشحونة باليأس والألم، وفي اصحاب الخواطر المكسورة، جراء الظلم والتهميش، غايتها وهدفها، فتقدمت الصفوف، وامتطت صهوة المعارضة بالصراخ، لتنتزع صورة البطل المنقذ، أو البزنس الشاطر، الذي يعرف من أين تؤكل الكتف.
خسارة أن يعجز من تبقى من العقلاء في بلدنا عن الكلام، مجرد الكلام، لكشف هذه الأساطير التي أطبقت على « رقبة» مجتمعنا، وشلت حركته، بذريعة الحريات أو الدفاع عن حقوق الناس، أو انتقاد أداء إدارات الدولة، فيما الحقيقة أنها أبعد ما تكون عن هذه الأهداف و العناوين.
من قال إن إشغال الناس بقضايا تافهة، أو اللعب بمشاعرهم لتأليبهم ضد بلدهم، او إغراقهم باليأس والسواد العام، حريات ودفاع عن حقوقهم، أو بطولات تستحق الإعجاب؟ من قال إن خلط السياسي بالقانوني، و انتقاء مظلومية دون غيرها من المظلوميات، ثم الاحتشاد في مواكب الدفاع عنها، واعتبارها قضية وطنية، يصب في خدمة المجتمع، وينتصر لموازين العدالة؟
أخشى ما أخشاه أن نكتشف في لحظة، كما اكتشفنا سابقا، ان من يمثّل علينا دور البطولة، سواء في المعارضة أو في المواقع المسؤولة بالإدارة العامة، مجرد «صيادي « فرص، او أن من يتحمسون لرفع السقوف والمطالبات، ويجلدوننا كل يوم بالانتقادات والنصائح والتحذيرات، مجرد موظفين أو تجار، تنتهي مهمتهم عند أول طلب أو عرض، لهذا يجب أن ننتبه، و نُشغّل عقولنا لنفهم ما يدور حولنا، وما يراد لنا أن نصل اليه.
معقول أن تتعمق «التفاهة» داخل مجتمعنا لهذا الحد، معقول أن نرفض الإصغاء لصوت العقل، وننجر خلف اصوات المجانين، معقول أن نصدق كل ما نسمعه، ونعجز عن قول «لا» لمن يبيعنا بأسواق الشعبوية، او لمن يريد أن نتحول إلى طبول تصفق، دون أن تعرف لماذا ؟
لا فرق بين مسؤول يبيعنا الوهم، وبين معارض يرقص على أوتار جراحنا من أجل الشهرة، لا فرق بين أصوات النفاق التي تُجيّر لأصحاب الحظوة من أجل الحصول على مصالح وامتيازات، وبين صرخات النفاق التي تُصرف لبعض النخب التي تتاجر بأحلامنا ومطالبنا، لكي يصب في أرصدتهم الشعبوية، حين يمارس المجتمع ذلك، فإنه يقع بين فكي كماشة طبقتين مختلفين في المواقع، لكنهما تتشابهان بالأدوار، وتتطابقان بالمواقف، و تتكاملان في بقاء المجتمع رهينة للفساد، واليأس والإحباط.
رجاء، افتحوا أعينكم، أيها الأردنيون، وقبل ذلك عقولكم وقلوبكم، على صورة بلدكم الحقيقية، ومصالح دولتكم التي ليس لكم غيرها، تسلحوا بما يكفي من وعي لتميزوا بين من يريد لكم خيرا، ومن لا يريد، بين من يحاول أن يركب على ظهوركم ليصل، وبين من يتحدث باسمكم بصدق وحكمة وأمانة، فانتم، أصحاب الكفاءات التي عمّت العالم كله، الاقدر على التبصر والتعقل والفرز، وانتم من يعرف الحقائق ويكشف زيف المكائد بعكس ما يظن الكثيرون، الغارقون في وهم البطولة، الباحثون في طينتكم الطيبة عن الاشواك والاحساك، ليتعهدوها بالرعاية، وينصبون لها اسواقا للمزايدة.