الشباب..الجيل الذي فقدناه
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/13 الساعة 00:20
من المحزن في زمن الإبداع العالمي للشباب في دول العالم المتقدم، أن نبقى نجلد بذاتنا ونتحسر على خسارتنا لأهم عنصر في المجتمع، وهم فئة الشباب، والمناسبة هي «اليوم العالمي للشباب»وحتى نتعقل أكثر فإنني أعترف خلال مرحلة ما سلف من العمر، أن في كل عقد سابق فقدنا جيلا خارج منظومة البرنامج الوطني، ولكن الأكيد أن المتغيرات المتسارعة في العقدين الأخيرين أضعنا جيلا من الشباب كان من الممكن أن يكون رافعة وطنية تحقق لهذا البلد قفزة الى المستقبل الأفضل الذي يريده الجميع ولا يستطيعون الوصول اليه بفعل العقلية التي تعشق مناصب العجائز القيادية.
حسب الإحصاء الرسمي عام 2012 كان عدد سكان الأردن 6 ملايين و310 آلاف، يعيش 83 % منهم في المدن والباقي ما بين القرى والبوادي، فيما أظهرت إحصائيات عام 2010 أن 37.3% من السكان تحت سن 15 سنة، و 59.5% ما بين 15 – 64 سنة، بينما 3.2% من السكان في عمر 65 سنة وأكثر، أما اليوم فإن الإحصائيات تشير الى أن خُمس السكان هم ما بين 15-24 عاما، بعدد مليون وتسعمائة الف ينقسمون لفئتين: الذكور 20% والإناث 19%، فيما بلغ المراهقون والشباب من 15-19 عاما، نصف العدد الناتج، تتحمل العاصمة عمان غالبيتهم بنسبة 42% ثم أربد 19% والزرقاء 14% وتتقاسم بقية المحافظات ما تبقى منهم، وهؤلاء يا طويلي الأعمار هم «غزاة المستقبل»، فماذا صنعنا لهم، ماهي مسؤولياتنا تجاهههم، كيف ربيناهم، على ماذا دربناهم غير قيادة السيارات بتهور وارتياد المقاهي على الأغلب !
عندما تسلم الملك عبدالله الثاني مقاليد الحكم في الأردن عام 1999 كان غالبية شباب اليوم أطفالا لا يدركون ما يجري حولهم، وفتحوا أعينهم على ملك شاب وحيوي ونهج سياسي لا يعرفون غيره، وتحقق لهم بنية مدرسية شكلت قفزة كبيرة في مستوى التعليم، حيث بدأت التوجيهات الملكية بتنفيذ مشاريع بناء المدارس وتطوير الخدمات التعليمية، ولكن الحكومات التي تعاقبها رؤساء ووزراء ومسؤولون لا يملكون روح الشباب، أبت أن تتطور بالمستوى الفكري والثقافي المتغير مع ذلك الجيل، وها هم أبناء 1999 يتخرجون اليوم من المدرسة وبرنامج التوجيهي، وتتفوق الفتيات على أقرانهن من الأولاد، فيما نجد غالبية الشباب لا يملكون أي تصور سياسي أو ثقافي أو إقتصادي يمكنهم من الإنتصار على وحش البطالة وقوارع الشوارع.
كل وطن له قضية، وله هدف سامٍ وله نظرية يؤطر فيها طرق صناعة المستقبل، والمستقبل يعني شباب اليوم ومراهقيه وأطفاله، ولكن مع التراجع العنيف في القيمّ التربوية وتحول التعليم المدرسي والجامعي الى «بزنس»، ويواكب ذلك بقاء فئة العجائز في المراكز القيادية التعليمية، تراجع مستوى التعليم بشكل مخيف، فأمهات الجامعات عندنا أوصلتها الإدارات الحالية ومجالسها الى مجرد تنفيعات ومتنزهات للطلبة لقضاء الوقت، وأساليب تدريسية متخلفة عن العالمية، ونكايات ومناكفات أخرت جامعاتنا التي كنا نفاخر بها من سباق المنافسة على المستوى العربي، فمتى يجد الشباب دورهم في صنع مستقبلهم؟!
إذا كنا نحن ومن سبقنا جيل «البيضة والرغيف» ندعي أننا نعرف عن الحياة والعالم بقدر ما يعرفه العالم عن نفسه، وخرجت قيادات ومسؤولين ومفكرين لا تنُسى بصماتهم وذكراهم، تحمل الفكر الوطني والعزيمة والغيرة على الوطن وعلى الشعب وقيم المجتمع ونظرية الدولة بأفضل ما يمكن، فإننا نرى الفشل الجمعي في الكثير من أطياف الجيل الجديد، في ظل تربية الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي وإنهيار القيمّ الإجتماعية والأخلاقية، وعدم الغيرة عليهم، وهذا يغطي للأسف على إنجازات الشباب المبدع بيننا، والذي لا يجد فرصته في تكوين ذاته أو التعليم أو الزواج أو حتى ممارسة هواياته.
ما أدهشني يوما، هو رؤية إحدى السيارات الفارهة يقودها شاب غرّ، يضع ملصقا بحجم الزجاج الخلفي،وهي صورة للملك الراحل الحسين رحمه الله والأخرى للرئيس الراحل صدام حسين، وبينهما عبارات مكتوبة، أنا متأكد من أن تلك الجملة المكتوبة والصور لم تكن من أفكار السائق الشاب، وليس في تصرفه بالقيادة المتهورة ما يوحي الى ثقافة جيدة، أو فهم للواقع السياسي والإجتماعي.
لهذا لا تتباكوا على ما سنراه من جيل الشباب والمراهقين المملوئين عنفوانا وأحلاما كاذبة، فنحن جميعا نتحمل مسؤولية ما يواجهونه من حياة فارغة من أي هدف وطني أو شخصي، فبنك الأهداف أفلس والعجائز لا زالوا يحصدون كل شيء من تحت أيدي شباب الجيل الذي فقدناه.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/13 الساعة 00:20