'صحوة إفريقية': أُنظُروا إلينا بـِ'احترام بعيداً عن الأَبويّة والإملاءات'
مدار الساعة ـ نشر في 2023/03/08 الساعة 02:32
ما تزال أصداء تفاصيل وملابسات ما قيل في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان الكونغولي/فيليكس تشيسيكيدي والفرنسي الزائر/ماكرون في العاصمة كينشاسا، تتردّد بقوة في العواصم الغربية وخصوصاً باريس, التي أنهى رئيسها جولة في أربع دول إفريقية لم ينجح خلالها في إقناع قادة الدول المُضيفة بحدوث تحوّل في السياسات الفرنسية تجاه القارة السوداء, بعد عقود طويلة من الاستعمار خصوصاً سياسات ما بعد الاستقلال التي تطابقت إلى حد كبير مع السياسات الإستعمارية السابقة.
وإذ ركّزت وسائل الإعلام كما منصات التواصل الاجتماعي الفرنسية والإفريقية, على «الاحتكاك الدبلوماسي» الذي شاهده الملايين على الهواء مباشرة بين الرئيس الكونغولي والرئيس الفرنسي, الذي وصف ما حدث مع نظيره الكونغولي بأنه اشبه بـ"لعبة البينغ بونغ».. فإن مسارعة الرئيس الكونغولي إلى مقاطعة ماكرون مُلوحاً بأصبعه على ارتفاع (نسبي) في نبرة صوته, كانت لافتة ومُؤثرة وبخاصة أن تشيسيكيدي انتقد في شكل لاذع النظرة الغربية الإستعلائية إلى الشؤون الإفريقية, عبر اتباع سياسة الكيل بمكيالين عندما تساءل وهو يشير بأصبعه إلى ماكرون?.. لماذا تختلف رؤية الأشياء حين يتعلّق الأمر بإفريقيا؟, مُضيفاً: لماذا لا تتحدّثون عن تسوية أميركية مثلاً، حينما تكون هناك مخالفات في الانتخابات الأميركية، أو - واصلَ - تسوية فرنسية حين تحدُث مخالفات في الانتخابات الفرنسية خصوصاً زمن شيراك, عندما كُشِفَ النقاب عن تصويت «الموتى» فيها؟. لم يتوقّف الزعيم الكونغولي بل تابع في نبرة أكثر علواً وغضباً: هذا.. يجب أن يتغيّر في طريقة التعامل مع فرنسا وأوروبا والكونغو الديمقراطية..انظروا إلينا – تابعَ بغضب واضح - باحترام كشريك حقيقي وليس بنظرة أبوِيّة وإملاءات».
أُسقِط في يد ماكرون وبان الارتباك واضحاً على ملامحه، عندما سارع – بغير نجاح - إلى إلقاء تبعية السؤال كوجهة نظر خاصة على الصحفية الفرنسية, التي طرحت السؤال حول تسوية بين نظام تشيسكيدي والمتمردين الكونغوليين الذين تدعمهم رواندا، لكن الرئيس الكونغولي فاجأ الجميع مُذكِّراً ضيفه بـِ«حِدَّة وغضب».. أن صاحب العِبارة هو وزير خارجيته السابق/لودريان, وهي(أي الصحفية الفرنسية قال شيسيكيدي) تحدّثت عما قاله لودريان.
ردود الفعل الفرنسية الشعبية والحزبية كانت حادة حدود الشماتة, إزاء «المأزق» الذي وضع ماكرون نفسه فيه, خاصة أنه - وِفق سياسيين ومُغرِّدين - ظهر أشبه بدبلوماسي مُتدرِّب لا يفقه شيئاً في أصول التعامل. فيما قال آخرون: «عندما تُؤدي غطرسة الدبلوماسي المُبتدئ ماكرون, إلى تشويه سُمعة فرنسا في الخارج».
بدا «الإحتكاك الدبلوماسي» الذي حدث بين الرئيس الكونغولي وضيفه الفرنسي, وكأنه جزء مِن أو بعض ملامح صحوة إفريقية آخذة في التعمّق, حدود «الانقلاب» الحقيقي على التراث الاستعماري والهيمنة, التي تكرّست بطرق مختلفة بعد نجاح حركات التحرّر الوطني الإفريقية في انتزاع الاستقلال, الذي ما لبث أن تعثّر عبر الانقلابات العسكرية التي ساهمت القواعد العسكرية التي أبقاها المستعمِرين على أراضي مستعمراتهم السابقة, باتفاقيات إذعان أو بعد الانقلابات التي اسهمت تلك «القواعد» في تنظيمها, رغم أن فرنسا (على سبيل المثال) اقامت أكثر من?«مئة» قاعدة في إفريقيا حتى منتصف القرن العشرين، فيما لا يزيد عدد قواعدها العسكرية الآن عن «7» قواعد، يُمكن ان تختفي أو تقِلّ خلال السنوات القليلة المقبلة, بعد أن بدأت دول عديدة وآخرها (جمهورية مالي) تُطالبها بالرحيل.
ورغم احتدام الصراع على النفوذ والأسواق والثروات الطبيعية والنفوذ, بين الدول الاستعمارية الغربية وكل من روسيا والصين, صراع محموم لا يمكن تجاهله أو التقليل من شأنه. إلا أن ممارسات الدول الغربية الساعية إلى استعادة نفوذها حتى لو طال حلفاء لها, كما هي حال الولايات المتحدة التي «طاردتْ» النفوذ الفرنسي بدايات القرن الماضي - حتى الآن -، رغم تركيزها على تجفيف أو الحدّ من نفوذ الصين خصوصاً, بما هي الدولة الأكثر حضوراً في القارة الإفريقية. ولكن ليس بحضور عسكري (باستثناء القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي) ولكن بحضور?اقتصادي وتنموي واستثماري, أضف إلى ذلك دور روسيا المتنامي هو الآخر. ليس فقط عبر شركة «فاغنر» العسكرية الخاصة, كما هي الحال مؤخراً في مالي وقبلها في جمهورية إفريقيا الوسطى. إلا أن ذلك لا ينفي بالضرورة أن الصحوة الإفريقية الجديدة (بعد الصحوة الأولى التي تمثّلت في حركات التحرر الوطني ستينيات القرن الماضي), مُوجّهة/ الصحوة الجديدة في الأساس ضد النفوذ الغربي, الذي لا يعرف سوى عقد صفقات الأسلحة وإقامة القواعد والأحلاف العسكرية والقروض عالية الفوائد, دون أي اهتمام بالتنمية أو محاربة الأمراض وتخفيف إجراءات هجرة أو ?خول المواطنين الأفارقة إلى أوروبا أو أميركا. يقول وزير خارجية مالي/ عبدالله ديوب: حان الوقت لكي تُدرك فرنسا وكل الشركاء, أنّ للأفارقة القُدرة على إدارة أوطانهم واختيار شركائهم تماهياً مع مصلحتهم.
kharroub@jpf.com.jo
وإذ ركّزت وسائل الإعلام كما منصات التواصل الاجتماعي الفرنسية والإفريقية, على «الاحتكاك الدبلوماسي» الذي شاهده الملايين على الهواء مباشرة بين الرئيس الكونغولي والرئيس الفرنسي, الذي وصف ما حدث مع نظيره الكونغولي بأنه اشبه بـ"لعبة البينغ بونغ».. فإن مسارعة الرئيس الكونغولي إلى مقاطعة ماكرون مُلوحاً بأصبعه على ارتفاع (نسبي) في نبرة صوته, كانت لافتة ومُؤثرة وبخاصة أن تشيسيكيدي انتقد في شكل لاذع النظرة الغربية الإستعلائية إلى الشؤون الإفريقية, عبر اتباع سياسة الكيل بمكيالين عندما تساءل وهو يشير بأصبعه إلى ماكرون?.. لماذا تختلف رؤية الأشياء حين يتعلّق الأمر بإفريقيا؟, مُضيفاً: لماذا لا تتحدّثون عن تسوية أميركية مثلاً، حينما تكون هناك مخالفات في الانتخابات الأميركية، أو - واصلَ - تسوية فرنسية حين تحدُث مخالفات في الانتخابات الفرنسية خصوصاً زمن شيراك, عندما كُشِفَ النقاب عن تصويت «الموتى» فيها؟. لم يتوقّف الزعيم الكونغولي بل تابع في نبرة أكثر علواً وغضباً: هذا.. يجب أن يتغيّر في طريقة التعامل مع فرنسا وأوروبا والكونغو الديمقراطية..انظروا إلينا – تابعَ بغضب واضح - باحترام كشريك حقيقي وليس بنظرة أبوِيّة وإملاءات».
أُسقِط في يد ماكرون وبان الارتباك واضحاً على ملامحه، عندما سارع – بغير نجاح - إلى إلقاء تبعية السؤال كوجهة نظر خاصة على الصحفية الفرنسية, التي طرحت السؤال حول تسوية بين نظام تشيسكيدي والمتمردين الكونغوليين الذين تدعمهم رواندا، لكن الرئيس الكونغولي فاجأ الجميع مُذكِّراً ضيفه بـِ«حِدَّة وغضب».. أن صاحب العِبارة هو وزير خارجيته السابق/لودريان, وهي(أي الصحفية الفرنسية قال شيسيكيدي) تحدّثت عما قاله لودريان.
ردود الفعل الفرنسية الشعبية والحزبية كانت حادة حدود الشماتة, إزاء «المأزق» الذي وضع ماكرون نفسه فيه, خاصة أنه - وِفق سياسيين ومُغرِّدين - ظهر أشبه بدبلوماسي مُتدرِّب لا يفقه شيئاً في أصول التعامل. فيما قال آخرون: «عندما تُؤدي غطرسة الدبلوماسي المُبتدئ ماكرون, إلى تشويه سُمعة فرنسا في الخارج».
بدا «الإحتكاك الدبلوماسي» الذي حدث بين الرئيس الكونغولي وضيفه الفرنسي, وكأنه جزء مِن أو بعض ملامح صحوة إفريقية آخذة في التعمّق, حدود «الانقلاب» الحقيقي على التراث الاستعماري والهيمنة, التي تكرّست بطرق مختلفة بعد نجاح حركات التحرّر الوطني الإفريقية في انتزاع الاستقلال, الذي ما لبث أن تعثّر عبر الانقلابات العسكرية التي ساهمت القواعد العسكرية التي أبقاها المستعمِرين على أراضي مستعمراتهم السابقة, باتفاقيات إذعان أو بعد الانقلابات التي اسهمت تلك «القواعد» في تنظيمها, رغم أن فرنسا (على سبيل المثال) اقامت أكثر من?«مئة» قاعدة في إفريقيا حتى منتصف القرن العشرين، فيما لا يزيد عدد قواعدها العسكرية الآن عن «7» قواعد، يُمكن ان تختفي أو تقِلّ خلال السنوات القليلة المقبلة, بعد أن بدأت دول عديدة وآخرها (جمهورية مالي) تُطالبها بالرحيل.
ورغم احتدام الصراع على النفوذ والأسواق والثروات الطبيعية والنفوذ, بين الدول الاستعمارية الغربية وكل من روسيا والصين, صراع محموم لا يمكن تجاهله أو التقليل من شأنه. إلا أن ممارسات الدول الغربية الساعية إلى استعادة نفوذها حتى لو طال حلفاء لها, كما هي حال الولايات المتحدة التي «طاردتْ» النفوذ الفرنسي بدايات القرن الماضي - حتى الآن -، رغم تركيزها على تجفيف أو الحدّ من نفوذ الصين خصوصاً, بما هي الدولة الأكثر حضوراً في القارة الإفريقية. ولكن ليس بحضور عسكري (باستثناء القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي) ولكن بحضور?اقتصادي وتنموي واستثماري, أضف إلى ذلك دور روسيا المتنامي هو الآخر. ليس فقط عبر شركة «فاغنر» العسكرية الخاصة, كما هي الحال مؤخراً في مالي وقبلها في جمهورية إفريقيا الوسطى. إلا أن ذلك لا ينفي بالضرورة أن الصحوة الإفريقية الجديدة (بعد الصحوة الأولى التي تمثّلت في حركات التحرر الوطني ستينيات القرن الماضي), مُوجّهة/ الصحوة الجديدة في الأساس ضد النفوذ الغربي, الذي لا يعرف سوى عقد صفقات الأسلحة وإقامة القواعد والأحلاف العسكرية والقروض عالية الفوائد, دون أي اهتمام بالتنمية أو محاربة الأمراض وتخفيف إجراءات هجرة أو ?خول المواطنين الأفارقة إلى أوروبا أو أميركا. يقول وزير خارجية مالي/ عبدالله ديوب: حان الوقت لكي تُدرك فرنسا وكل الشركاء, أنّ للأفارقة القُدرة على إدارة أوطانهم واختيار شركائهم تماهياً مع مصلحتهم.
kharroub@jpf.com.jo
مدار الساعة ـ نشر في 2023/03/08 الساعة 02:32