انقلاب على السلطة القضائية في 'إسرئيل'
صادقت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي قبل أيام على المرحلة الأولى من مشروع «الإصلاح القضائي» الذي تتبناه حكومة بنيامين نتنياهو، والذي يهدف إلى إضعاف جهاز القضاء في إسرائيل للحد من رقابته على إجراءات الحكومة والكنيست، وكبح جماح المحكمة العليا الإسرائيلية التي دائما ما كانت تراها الحكومات المتعاقبة أنها تشكل حجر عثرة في إدارة الشؤون العامة للدولة الصهيونية.
فمن أبرز ملامح «الإصلاح القضائي» المنوي تنفيذه تعزيز سيطرة الحكومة على التعيينات القضائية، حيث سيتم إعادة النظر في تشكيلة لجنة الاختيار القضائي المسؤولة عن تعيين القضاة وترقيتهم وعزلهم من مناصبهم، وذلك لصالح منح أعضاء سياسيين ووزراء عاملين العضوية فيها، لكي تضمن الحكومة السيطرة الكاملة على اختيار القضاة الإسرائيليين.
كما سيتسع نطاق «الإصلاح القضائي» ليشمل تفكيك السلطات القضائية للمحكمة العليا، حيث تنوي الحكومة اليمنية المتطرفة الحد من الصلاحيات القضائية لهذه المحكمة في الرقابة على دستورية أي قانون يقره الكنيست، وذلك من خلال منعها من ممارسة هذه الرقابة على القوانين الأساسية التي تشكل جزءا من الدستور الإسرائيلي غير المكتوب، بالإضافة إلى وضع قيود قاسية على حق الإسرائيليين في تقديم التماسات إلى المحكمة العليا ضد القرارات الحكومية.
وبعد إقرار خطة الإصلاح المزعومة، سيصبح حق المحكمة العليا الإسرائيلية في إعلان أي قانون غير دستوري معلقا على موافقة جميع أعضائها من القضاة، على أن يثبت للكنيست سلطة إلغاء هذا القرار القضائي، وإعادة سن القانون بأكثرية 61 عضوا، والتي هي أغلبية مضمونة لكل حكومة إئتلافية تُشكل.
وفيما يخص الرقابة القضائية على القرارات الحكومية، فإن الحكومة الإسرائيلية تنوي منع قضاة المحاكم الوطنية في استخدام معيار «المعقولية» للحكم على مشروعية التشريعات والقرارات التي يتم الطعن فيها أمام القضاء. وهذا الحكم من شأنه أن يحرم المحاكم الإسرائيلية من مراجعة قرارات الوزراء والوكالات التنفيذية على أساس أنها غير معقولة، ولا يتحقق فيها عنصري التناسب والضرورة.
إن تبعات هذا المقترح التشريعي تتمثل بأنه سيجعل من الصعب إلغاء أي قرار صادر عن وزير أو وكالة تنفيذية بحجة عدم التناسب والمعقولية. بالتالي، فإنه سيشجع الحكومة الإسرائيلية وإدارتها المرتبطة بها على الاستمرارية في استخدام صلاحياتها الدستورية بطريقة تعسفية ومنحازة، دون اعتبار لحقوق الإنسان وحرياته.
كما يمتد نطاق المرحلة الأولى من «الإصلاح القضائي» ليشمل النائب العام والمستشارين القانونيين في الوزارات الحكومية، والذين ستصبح آلية اختيارهم بيد الوزراء فقط، مما سيضمن عملية تسيسس التعيينات في هذه المناصب القانونية والقضائية. كما ستشمل هذه التعديلات المقترحة اعتبار الآراء القانونية التي يقدمها المستشارون القانونيون غير ملزمة للمسؤولين الحكوميين، والذين سيُسمح لهم طلب المشورة والتمثيل القانوني من محاميين آخرين.
وفي معرض تعليقها على هذا التعديل، أشارت المدعية العامة الإسرائيلية غالي باهراف–ميارا، إلى أن هذه الإصلاحات «من شأنها أن تغير النظام القانوني والقضائي الإسرائيلي بشكل جذري، وستمنح الحكومة الإسرائيلية عمليا سلطة غير مقيدة، دون توفير أي حماية مؤسسية للحقوق الفردية أو لطابع إسرائيل الديمقراطي».
كما ترى المدعية العامة أن «هذا الإصلاح سيترك نظام الحكم في إسرائيل دون أي وسائل مؤسسية للحماية من الاستخدام غير السليم للتشريعات للإضرار بالسمات الأساسية لإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية».
وستسمر «إسرائيل» في انقلابها على قضائها الوطني في المرحلة الثانية من عملية الإصلاح التي أعلنت عنها، والتي ستشمل «القانون الأساسي: كرامة الإنسان وحريته»، الذي يعتبر من القوانين الأساسية ذات الطبيعة الدستورية، حيث سيتم تخفيض هذا التشريع إلى مستوى قانون عادي، بالتالي تقليل الوضع الدستوري للحقوق المحمية فيه.
كما ستشمل المرحلة الثانية من الإصلاح التشريعي وضع صعوبات عملية في إصدار قوانين أساسية أخرى، حيث سيتطلب إقرار هذه القوانين أربع قراءات في الكنيست؛ ثلاث قراءات كما هو الحال اليوم، بالإضافة إلى قراءة أخرى في الكنيست التالي. إن الحجج التي تستند إليها الحكومة اليمينية المتطرفة في «انقلابها» على السلطة القضائية تتمثل في أن «إسرائيل» ليس فيها دستور مكتوب، وأن الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية يجب ألا يكون فصلا مطلقا، وإنما يجب أن تكون هناك علاقة تعاون وتشاركية بينهم.
إن غياب الدستور المكتوب في «إسرائيل» لا يبرر بأي حال من الأحوال التطاول على السلطة القضائية واخضاعها لولاية السلطة التنفيذية في تعيينات القضاة فيها، وإعطاء الكنيست الحق في تجاوز الأحكام القضائية الصادرة عنها. فما نشهده اليوم من انقلاب على النظام القضائي الوطني يعزز حقيقة أن «إسرائيل» ليست بالدولة الديمقراطية كما تدعي، وأن الطابع الديني فيها كدولة يهودية سيبقى على الدوام هو الأساس في قيامها وتعاطيها مع الشؤون العامة فيها، ومنها حقوق الإنسان والحماية القضائية لها.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com