لبنان: سِجال 'الديموغرافيا/الطائفية'.. يُشعل أزمة جديدة؟!
مدار الساعة ـ نشر في 2023/02/27 الساعة 01:28
لم يخرج لبنان بعد.. ولا يلوح في الأفق انه يستعِد للخروج من حال الإنهيار التي تعصف به على أكثر من صعيد... مالِيّ, نقديّ, اقتصاديّ, تشريعيّ، معيشيّ وخدميّ. خاصّة في ظل الشغور الرئاسي الذي تُوظّفه قوى سياسية وحزبية مُستعينة بأطراف إقليمية ودولية, لتصفية حسابات قديمة وأخرى مُستجدّة وثالثة استدراكاً وتحوّطاً لما يمكن أن تحمله التحولات الجارية الآن, وتلك المُتوقّعة على المشهدين الإقليمي والدولي. مصحوبة بخرائط جديدة جرى رسم بعضها سابقاً ويجري إجراء تعديلات عليها وأخرى قيد الرسم. والاحتمالات التي يمكن أن تتبلور بع? انقشاع غبار المعارك الدائرة الآن في أوكرانيا. وربما تلك التي قد تندلع على هامشها أو قل على مخاطرها وتطوراتها التي لا يعرف أحد - حتى الآن - ما إذا ستقود إلى حرب عالمية ثالثة؟ أم أن الوساطات والمبادرات ستجد آذاناً صاغية خاصّة في دول المعسكر الغربي الذي رفض المبادرة الصينية, مُصرّاً على مواصلة دعم أوكرانيا عسكريّاً مهما طال أمد الحرب على نحو ما أعلن وصرَّح وتعهّد قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
جديد الحال اللبنانية المأزومة والمُرتبِكة والمشحونة سياسيّاً وحزبيّاً وخصوصاً طائفياً ومذهبياً, هو السجال الدائر الآن حول «معلومة» طرحها كسؤال مُقدم برنامج تلفزيوني على رئيس حكومة تصريف الأعمال/ نجيب ميقاتي الثلاثاء الماضي، تساءل فيه عن إحصاء «موثوق» قال إنه وصل إلى ميقاتي وبكركي (مقر البطريركية المارونية) يكشف (الإحصاء) أن نسبة المسيحيين في لبنان بعد انفجار 4 آب 2020 (في ميناء بيروت), باتوا يُشكلون 19.45%. ما أثار عاصفة هوجاء لم تتوقّف حتى الآن في أوساط عديدة وبخاصّة المسيحية منها, رغم أن ميقاتي شكّك بصحّ? الرقم مؤكّداً التمسّك بالعيش الواحد ووحدة الوطن.
ليس من السهولة بمكان تجاهل التوقيت الذي تم فيه اختيار طرح كهذا، خاصّة أن الظروف المُعقّدة مفتوحة الإحتمالات والمآلات التي يعيشها لبنان, وانهيار جدران الثقة الهشّة أصلاً بين نُخبِه السياسة والحزبية وخصوصاً الطائفية والمذهبية، تُوفر مناخات مُلائمة لأصحاب المخطّطات الرامية إلى تفجير الساحة اللبنانية, خاصّة في ظل الشغور الرئاسي (المنصب المسيحي الأرفع في المحصاصة الطائفية والمذهبية التي قامت عليها الصيغة اللبنانية), وتمترس الكتل البرلمانية المُختلفة عند شروطها واشتراطاتها, وإصرارها على انتخاب رئيس من صفوفها أو ?نفذ أجندتها، الأمر الذي حدا برئيس حزب الإنعزالي مثل: سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية وأحد أبرز مهندسي الحرب الأهلية وأكثرهم دموية, إلى إطلاق معركة تقسيم لبنان, عبر القول: إذا تمكّن حزب الله من الإتيان برئيس بالشكل الذي يُريده, فـ«عندها يجب إعادة النظر في (كل) التركيبة اللبنانية, فإما - أضاف - رئيس فِعلِي يُنقذ لبنان أو كل الخيارات مفتوحة».
هنا تأتي إثارة مسألة الديموغرافيا الطائفية لتنكأ جروحاً أو ترشّ الملح على جروح لم يبرأ منها لبنان بعد. ما استدعى ردّاً وتصحيحاً من جهات عدّة أعادت التذكير بـ«الإحصاء الوحيد الذي أجراه المستعمر الفرنسي عام/1933, ولم يجرِ بعده أي إحصاء رسمي لبناني منذ ذلك الحين. على قاعدة أن الصيغة اللبنانية قامت على مُحاصصة طائفية/مذهبية شكّلت الديموغرافيا الطائفية أبرز تجلّياتها في ذلك الحين. لكن أحداً لا يستطيع تحديد نِسب الطوائف والمذاهب اللبنانية الأخرى بما فيها الطائفية المارونية في ظل غياب تعداد رسمي. رغم كل ما يُقال ?ن هجرة لبنانية واسعة إلى الخارج يشكّل المسيحيون الأكثر فيها باعتراف الجميع. لكنه لا يبرر «نبش» قضية كهذه في ظروف انهيار شامل تعيشه كل الطوائف, كما قال المكتب الإعلامي في البطريركية المارونية، مُذكّراً بما تمّ إقراره في اتفاق الطائف وما أصبح دستوراً للبلاد من واجب المعنيين المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في الحقوق بصرف النظر عن الأعداد.
في المجمل.. أجّج طرح أعداد ونِسبْ المسيحيين في لبنان العواطف ورفع من منسوب التوتر والمخاوف, خاصّة انه تمّ زجّه «عنوة» في سجال الفراغ الرئاسي, الذي يطال الموقع المسيحي الأول والأرفع في المحاصصة الطائفية والمذهبية. بل منح رياحاً جديدة لأشرعة القوى الانعزالية, التي طالما لوّحت بخيارات انفصالية/ وتقسيمية, من قبيل الفيدرالية أو الكونفيدرالية الموسعة, تارة ماليّاً وطوراً إداريّاً وبعضهم تحدّث عن «تماثل» طائفي/ومذهبي. الأمر الذي يستدعي بالضرورة معالجة هادئة، مرنة وتوافقية تُبدّد الشكوك وحال انعدام الثقة والشروخ ب? الصدوع في المشهد اللبناني المُفخّخ, الذي يستثمره كثيرون لتنفيذ مخطّطاتهم وأخذ لبنان إلى اصطفافات ومُخطّطات إقليمية ودولية, تبدو الساحة اللبنانية المأزومة والمُحتقنة مرتعاً خصباً لها. وللمرء أن يُتابع المشهد اللبناني الراهن ليرى حجم وعمق التدخّلات الإقليمية والدوليّة فيه. خاصّة في الموضوع الأهم المطروح الآن على الأجندتيْن الإقليمية والدولية.. وهو انتخاب رئيس جديد لـ«الجمهورية اللبنانية».
kharroub@jpf.com.jo
جديد الحال اللبنانية المأزومة والمُرتبِكة والمشحونة سياسيّاً وحزبيّاً وخصوصاً طائفياً ومذهبياً, هو السجال الدائر الآن حول «معلومة» طرحها كسؤال مُقدم برنامج تلفزيوني على رئيس حكومة تصريف الأعمال/ نجيب ميقاتي الثلاثاء الماضي، تساءل فيه عن إحصاء «موثوق» قال إنه وصل إلى ميقاتي وبكركي (مقر البطريركية المارونية) يكشف (الإحصاء) أن نسبة المسيحيين في لبنان بعد انفجار 4 آب 2020 (في ميناء بيروت), باتوا يُشكلون 19.45%. ما أثار عاصفة هوجاء لم تتوقّف حتى الآن في أوساط عديدة وبخاصّة المسيحية منها, رغم أن ميقاتي شكّك بصحّ? الرقم مؤكّداً التمسّك بالعيش الواحد ووحدة الوطن.
ليس من السهولة بمكان تجاهل التوقيت الذي تم فيه اختيار طرح كهذا، خاصّة أن الظروف المُعقّدة مفتوحة الإحتمالات والمآلات التي يعيشها لبنان, وانهيار جدران الثقة الهشّة أصلاً بين نُخبِه السياسة والحزبية وخصوصاً الطائفية والمذهبية، تُوفر مناخات مُلائمة لأصحاب المخطّطات الرامية إلى تفجير الساحة اللبنانية, خاصّة في ظل الشغور الرئاسي (المنصب المسيحي الأرفع في المحصاصة الطائفية والمذهبية التي قامت عليها الصيغة اللبنانية), وتمترس الكتل البرلمانية المُختلفة عند شروطها واشتراطاتها, وإصرارها على انتخاب رئيس من صفوفها أو ?نفذ أجندتها، الأمر الذي حدا برئيس حزب الإنعزالي مثل: سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية وأحد أبرز مهندسي الحرب الأهلية وأكثرهم دموية, إلى إطلاق معركة تقسيم لبنان, عبر القول: إذا تمكّن حزب الله من الإتيان برئيس بالشكل الذي يُريده, فـ«عندها يجب إعادة النظر في (كل) التركيبة اللبنانية, فإما - أضاف - رئيس فِعلِي يُنقذ لبنان أو كل الخيارات مفتوحة».
هنا تأتي إثارة مسألة الديموغرافيا الطائفية لتنكأ جروحاً أو ترشّ الملح على جروح لم يبرأ منها لبنان بعد. ما استدعى ردّاً وتصحيحاً من جهات عدّة أعادت التذكير بـ«الإحصاء الوحيد الذي أجراه المستعمر الفرنسي عام/1933, ولم يجرِ بعده أي إحصاء رسمي لبناني منذ ذلك الحين. على قاعدة أن الصيغة اللبنانية قامت على مُحاصصة طائفية/مذهبية شكّلت الديموغرافيا الطائفية أبرز تجلّياتها في ذلك الحين. لكن أحداً لا يستطيع تحديد نِسب الطوائف والمذاهب اللبنانية الأخرى بما فيها الطائفية المارونية في ظل غياب تعداد رسمي. رغم كل ما يُقال ?ن هجرة لبنانية واسعة إلى الخارج يشكّل المسيحيون الأكثر فيها باعتراف الجميع. لكنه لا يبرر «نبش» قضية كهذه في ظروف انهيار شامل تعيشه كل الطوائف, كما قال المكتب الإعلامي في البطريركية المارونية، مُذكّراً بما تمّ إقراره في اتفاق الطائف وما أصبح دستوراً للبلاد من واجب المعنيين المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في الحقوق بصرف النظر عن الأعداد.
في المجمل.. أجّج طرح أعداد ونِسبْ المسيحيين في لبنان العواطف ورفع من منسوب التوتر والمخاوف, خاصّة انه تمّ زجّه «عنوة» في سجال الفراغ الرئاسي, الذي يطال الموقع المسيحي الأول والأرفع في المحاصصة الطائفية والمذهبية. بل منح رياحاً جديدة لأشرعة القوى الانعزالية, التي طالما لوّحت بخيارات انفصالية/ وتقسيمية, من قبيل الفيدرالية أو الكونفيدرالية الموسعة, تارة ماليّاً وطوراً إداريّاً وبعضهم تحدّث عن «تماثل» طائفي/ومذهبي. الأمر الذي يستدعي بالضرورة معالجة هادئة، مرنة وتوافقية تُبدّد الشكوك وحال انعدام الثقة والشروخ ب? الصدوع في المشهد اللبناني المُفخّخ, الذي يستثمره كثيرون لتنفيذ مخطّطاتهم وأخذ لبنان إلى اصطفافات ومُخطّطات إقليمية ودولية, تبدو الساحة اللبنانية المأزومة والمُحتقنة مرتعاً خصباً لها. وللمرء أن يُتابع المشهد اللبناني الراهن ليرى حجم وعمق التدخّلات الإقليمية والدوليّة فيه. خاصّة في الموضوع الأهم المطروح الآن على الأجندتيْن الإقليمية والدولية.. وهو انتخاب رئيس جديد لـ«الجمهورية اللبنانية».
kharroub@jpf.com.jo
مدار الساعة ـ نشر في 2023/02/27 الساعة 01:28