الدعم الحكومي للأحزاب السياسية

أ. د. ليث كمال نصراوين
مدار الساعة ـ نشر في 2023/02/26 الساعة 01:47
قام ديوان التشريع والرأي مؤخرا بنشر مسودة نظام جديد للمساهمة المالية في دعم الأحزاب السياسية، والذي يأتي انسجاما مع أحكام المادة (27/أ) من قانون الأحزاب السياسية رقم (7) لسنة 2022 التي تنص على أن «يتم تخصيص بند في الموازنة العامة للدولة للمساهمة في دعم الأحزاب من أموال الخزينة، وتُحدَّد شروط تقديم الدعم ومقداره وأوجه وإجراءات صرفه بموجب نظام يصدر لهذه الغاية».
إن هذا النص القانوني قد أعطى الحكومة سلطة مطلقة في تحديد شروط الدعم المالي المقرر للأحزاب السياسية ومقداره وإجراءات صرفه، وذلك من خلال نظام تنفيذي خاص تصدره بالاستناد لأحكام المادة (31) من الدستور. فقانون الأحزاب السياسية الحالي، أسوة بالقانون السابق، لم يتضمن أية أسس أو معايير–ولو حتى عامة – تتعلق بالدعم المالي المقدم للأحزاب السياسية وشروط استحقاقه، وإنما تُرك الأمر برمته للصلاحية التقديرية لمجلس الوزراء من خلال النظام الذي سيصدر عنه في هذا الشأن.
إن التعديلات الدستورية التي قدمتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وأقرها مجلس الأمة قد استندت في أساسها إلى توجيهات جلالة الملك بضرورة العمل على تغيير الآلية التقليدية لتشكيل الحكومات، والتوجه نحو الحكومات البرلمانية التي تشارك فيها الأحزاب والتكتلات السياسية.
وانطلاقا من هذه الركيزة الإصلاحية، جرى نقل الاختصاص بالنظر في طلبات تأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها من الحكومة، ممثلة بلجنة الأحزاب في وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، إلى الهيئة المستقلة للانتخاب، وذلك لضمان الحيادية والاستقلالية في التعامل مع الأحزاب القائمة، وعدم اخضاعها لولاية الحزب الحاكم.
فالأحزاب السياسية المعارضة لا يُقبل لها أن تكون تحت سلطان الحزب الحاكم، وبأن يتقرر له الحق المنفرد في تحديد آلية صرف الدعم المالي المقدم لباقي الأحزاب القائمة من خزينة الدولة، خاصة وأن هذه الأحزاب ستتنافس معه في المستقبل للوصول إلى سدة الحكم.
ومن التعديلات الدستورية الهامة التي جرى إقرارها في عام 2022 والتي ستمهد الطريق نحو الحكومة البرلمانية اعتبار قانون الأحزاب السياسية من «القوانين الأساسية ذات الطبيعة الدستورية»، والتي ستختلف عن باقي القوانين الأخرى من حيث إجراءات تعديلها وتغييرها. فقد اشترطت المادة (84/3) من الدستور بحلتها المعدلة موافقة أغلبية ثلثي أعضاء كل من مجلسي الأعيان والنواب لغايات تعديل قانون الأحزاب السياسية، وذلك ابتداء من مجلس النواب القادم.
إن الحرص على عدم تسييس هذا القانون وتغيير نصوصه وأحكامه لخدمة مصالح الحزب الحاكم قد كان هو الدافع الرئيسي لإضافة هذا الحكم الدستوري المستحدث، حيث جرى تشديد إجراءات تعديل قانون الأحزاب السياسية، واشتراط أغلبية خاصة للموافقة على أي تغيير في القواعد العامة التي تحكم نشأة الحزب وآلية عمله.
ولا يغير في حقيقة هذا الوضع أن مسودة نظام المساهمة المالية في دعم الأحزاب السياسية قد جاءت واضحة من حيث قيمة المبالغ التي يستحقها كل حزب والحالات التي تبرر صرفها. فالتخوف الأساسي يبقى دائما مرتبطا بالمبدأ العام؛ بأن تقوم أي حكومة قادمة تضم وزراء من حزب معين باستغلال حقهم الدستوري في إصدار هذا النظام، والتضييق المالي على باقي الأحزاب السياسية القائمة من خلال تخفيض قيمة الدعم المقدم لهم أو التشدد في إجراءات صرفه.
إن دعم الأحزاب السياسية من أموال خزينة الدولة هو حق لها وليس مكرمة أو مِنَّه من الحكومة. فالحزب السياسي يمارس نشاطا عاما يتمثل في تكوين الإرادة العامة للأفراد وتثقيفهم في الحياة السياسية، وهو ما يمكن اعتباره نشاطا ذا نفع عام. بالتالي فإن تمويل الدولة لهذا النشاط من خلال دعم الحزب السياسي الذي يقوم به يعتبر التزاما عليها لا يمكن لها أن تتنصل منه.
وما يعزز من أهمية الدعم الحكومي للأحزاب السياسية وضرورة تنظيمه بأسس ومعايير ثابتة في صلب القانون أن الأحكام القانونية الأخرى المتعلقة بتمويل الأحزاب، وحقها في تلقي الهبات والتبرعات النقدية والعينية يخضع لقيود وضوابط مشروعة تتعلق بطبيعة الجهة المتبرعة، وقيمة التبرع المالي المقدم للحزب السياسي.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
مدار الساعة ـ نشر في 2023/02/26 الساعة 01:47