المُعسكر الغربي إذ 'يُشيّطِن'.. المبادرة الصينية !!
في أقل من اربع وعشرين ساعة بل مباشرة بعد طرح الصين نقاطها الـ«12», (تُوصَف ايضاً مبادرة أوخطة سلام). ارتأت بيجين ان تعرِضها في مناسبة مرور عام على العملية الروسية الخاصة, شنّ كبار المسؤولين في الولايات المتحدة كما بريطانيا, فرنسا وألمانيا, وخصوصا أمين عام الناتو ورئيسة الإتحاد الأوروبي, شنوا حملة شعواء على المبادرة كما على الصين ذاتها, على نحو اقفلوا خلالها اي محاولة لفتح كوّة في جدار الأزمة المتمادية فصولاً, والتي لم يتردّد كثيرون في دول المعسكر الغربي من التحذير بأنها قد تفضي الى حرب عالمية ثالثة. فيما اختار الرئيس الأوكراني «إنتقاء» بعض نقاط هذه الخطة, رغم انه لم يخلع عليها صفة الخطة أو المبادرة, بل ذهب بعيداً في التقليل من شأنها معتبراً ان الصين «لم تُقدم خطّة حقيقية بل بعض الأفكار، وهناك - أضاف - بعض الأجزاء التي لا نُوافق عليها»...مستطرداً في تشكيك واضح بالنيّات الصينية «اريد ان أصدّق ان الصين ستكون الى جانب عالم عادل. أي الى جانبنا» ختم زيلنسكي.
وإذا كانت موسكو وعلى العكس من موقف أوكرانيا المُشكك والإنتقائي والإستعلائي, قد رحبت بالمبادرة الصينية معربة عبر بيان الخارجية الروسية, عن تأييدها لـ«الرغبة الصينية الصادقة، للإسهام في التسوية في أوكرانيا بالطرق السلمية, وعن مُشاطرتها بيجين رؤيتها للتسوية، معبّرة في الآن ذاته (موسكو) التزامها احترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والإنساني والأمن الشامل، بما لا يعزّز أمن دولة على حساب دولة أخرى أو فريق من الدول على حساب آخر، لافتة الى ان موسكو منفتحة على تحقيق أهداف العملية العسكرية بالوسائل السياسية والدبلوماسية»، فقد كان لافتاً موقف الرئيس الأميركي/بايدن الذي شكّك بجدوى تنفيذ الخطة المقترحة صينياً, معتبراً أنها تعود بالفائدة على روسيا فقط, قائلاً في حوار مع محطّة ABC الأميركية: بوتين يُصفّق لهذه الخطّة, ما هي الفائدة فيها إذاً؟, واصفاً «فكرة» ان الصين ستُفاوض من أجل أوكرانيا لأنها «حرب غير عادلة تماماً».. بأنها ــ أضاف بايدن - غير منطقية.
هنا والآن... يلتقي أركان المعسكر الغربي بأجنحته المختلفة, الأوروبية كما «الناتوِيّة» إضافة الى بريطانيا, عند الموقف الأميركي ذاته, وإن كانت تنويعات في العبارات والنصوص ولكن المضامين والأهداف واحدة, وهي إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا فضلاً وخصوصاً الطعن في مصداقية الصين, ومحاولات لا تنتهي لعرقلة أو إحباط اي تقارب أو تحالف محتمل بين البلدين. لأن المشهد الدولي إذا ما وعندما يتجسّد تحالف كهذا سيختلف جذريّاً عمّا هو الآن, أقلّه في ما خصّ موقف الصين «المحايد» والذي لا تأخذه واشنطن وحلف الناتو والإتحاد الأوروبي بجديّة, على النحو الذي عكسته ردود أفعال هؤلاء على المبادرة الصينية ذات الـ» 12» بنداً, والتي انطوت بعض بنودها على «نبذ عقلية الحرب الباردة، الحفاظ على سلامة المحطّات النووية، التخلّي عن فرض العقوبات أُحاديّة الجانب والتقليل من المخاطر الإستراتيجية. (هذه بنود لا تروق للمعسكر الغربي, ولا تنسجم مع سياسات الهيمنة الأميركية بالطبع).
إذ قال أمين عام حلف الناتو/ستولتنبرغ: «الصين ليست ذات مصداقية كبيرة في ما يتعلّق بمثل جهود الوساطة تلك، حيث أضافَ أنها لم تُدِن رسمياً بعد الغزو الروسي». فيما ذهبت رئيسة المفوضية الأوروبية/أورسولا فون ديرلاين في الإتجاه ذاته: «يجب النظر الى نقطة على خلفية ان الصين مُنحازة بالفعل لروسيا» مضيفة «الصين وروسيا طمأنتا إحداهما الأخرى على علاقاتهما الوثيقة قبل بدء الحرب». ولم يخرج مفوّض الشؤون الخارجية للإتحاد الأوروبي/بوريل عن خط الرافضين والمُشكّكين بالخطّة الصينية قائلاً: الإقتراح الصيني ليس «خطّة سلام»، إنها - أضاف - «ورقة مَوقف» جمّعت فيها الصين جميع مواقفها» قبل اجتماع مجلس الأمن, مُستدرِكاً: هناك ملاحظات مثيرة للإهتمام في الورقة, ونحثّ الصين على التحدّث مع أوكرانيا بشأنها.
في السطر الأخير: لم يصدر بعد اي رد فعل من قبل الصين, صاحبة المبادرة التي اربكت المعسكر الغربي وأحدث شروخاً وتصدّعات, أو لنقل تبايُناً في مواقف أعضائه خاصّة, ما أبدته وعبّرت عنه ألمانيا وفرنسا, عبر تسريب لصحيفة «وول ستريت جورنال» /الأميركية بأن برلين وباريس نصحتا زيلنسكي بالحوار مع موسكو, كونهما تُشكّكان في قدرة أوكرانيا على استعادة أراضيها حتى حدود عام/1991. وإن كانتا (باريس وبرلين) أعلنتا في الآن ذاته استعدادهما لإمداد أوكرانيا بكل ما تحتاجه من أسلحة وعتاد ودعم مالي مهما طالت الأزمة. أضف الى ذلك ما بدا تخوّفاً من قبل الولايات المتحدة والناتو والإتحاد الأوروبي, إزاء الإستعدادات الروسية الواضحة(وفق وصفِهم) لشن هجوم شامل لدحر القوات الأوكرانية الى خارج الدونباس وربما أبعد من ذلك.
kharroub@jpf.com.jo