فالج لا تعالج..
لست من دعاة التشاؤم واليأس.. ولكن احياناً كثيرة تصل الى مرحلة بان تتخذ هكذا قرار في العمل مع بعض الزملاء.. او في التعامل مع البعض.. او في العلاقات.. او حتى في بعض جوانب الاصلاح السياسي او الاقتصادي او حتى الاجتماعي..
احببت ان ادخل هذا المدخل لكي اضع بعض الملاحظات والمشاهدات اليومية في صورة واضحة.. لعلها تصل الى من هم اصلا مصابون بالفالج.. فيساعدون انفسهم قبل محاولة من هم حولهم لهم بالعلاج..
فكثير منا يسعى جاهدا لعمل الخير مع الآخرين.. فيساعدهم على رفع مستوى عملهم.. او معالجة بعض نقاط ضعفهم.. او تحسين صورتهم امام الآخرين.. ويكون في كثير من الاحيان على حساب راحته ومكتسباته.. ولكن لا يتم مقابلة ذلك بالنكران فحسب.. بل بالاساءة والنكران وعكس الحقائق ايضا.. فهذا طبع تأصل فيهم ومن الصعب تغييره بتغيير الاماكن او الازمان..
المصيبة الكبرى عندما تحاول علاج من ليس مقتنعاً اصلا بانه مريض.. وبالتالي فانه يقاوم كل محاولات المساعدة.. فتتفاقم حالته وتؤدي به الى حيث اللاعودة.. وتؤدي بمن حوله الى المعاناة والتعب وقد تصل الى الهلاك..
فعندما تم القبض على "جيفارا".. بعد ابلاغ راعي أغنام عنه مخبأه.. سأل أحدهم الراعي.. لماذا ابلغت عن رجل قضى حياته في الدفاع عنكم وعن حقوقكم؟!..
أجاب الراعي.. لقد كانت حروبه مع العدو تخيف أغنامي..
في المجتمع نجد كثيراً من المحيطين بنا.. مصابين بداء الانا.. وبِداء الحقد والغيرة.. ديدنهم السعي نحو تحقيق مصالحهم الشخصية.. متعلقين بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة.. وحين نكشفهم.. ونوقفهم عند حدهم.. نقول ليتهم متخلقين باخلاق "شرشبيل" الماكر والغدار في مسلسل السنافر.. فيعلنون انهم سيعودون اشد شراسة وقوة في الحلقة القادمة.. ولكنهم يشعروننا بانهم تعلموا الدرس.. وتابوا وندموا على ما فعلوا.. وهم بالحقيقة يخفون ما لا يعلنون.. وينتظرون اللحظة المناسبة والمتوافقة مع طبائعهم ليغدروا بنا من جديد..
الناس الطيبة والمسالمة.. تعطي فرصة لامثال هؤلاء.. مع ان الاصل الاخذ بالحديث النبوي "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين".. فيأخذ حذره منهم..
ولكن في كثير من الاحيان نجد هؤلاء يشعروننا بانهم اصبحوا افضل اخلاق منا.. ويحاولون اثبات حسن النوايا بشتى الوسائل حتى نأمن جانبهم.. وكأنهم تعلموا التمويه والتصنع والمراوغة في اعتى مراكز الجاسوسية.. فتنطلي تصرفاتهم علينا ونصدقهم ونأمن مكرهم..
ولكن سرعان ما نجد ضربتهم الجديدة وُجِهت لنا وتكون لولا لطف الله بنا.. شبه قاضية..
يقول محمد رشيد رضا.. "نضالك من اجل اناس لا يقدرون ما تقوم بفعله.. يجعلك القربان الذي يقدم في اول عثرة"..
وهذا يجعلني أحيانا كثير.. عندما أرى ما يحدث حولي.. أكان على المستوى الشخصي والأقارب.. او المستوى الاجتماعي والاصدقاء.. أو حتى المستوى الوطني.. أقف مع نفسي وأقول.. "فالج لا تعالج".. ولكن صوتا خفيا ينبض في اعماقي ويقول.. لعل كلمة طيبة تخرج من القلب.. ممتلئة بالحب للغير.. وتغليب المصلحة العامة.. والبعيدة كل البعد عن الانانية والأنا وحب الذات.. تجد أرضا صالحة فتنبت نباتا طيبا..
وفي الختام ارجوكم يا من اصبتم بالفالج.. حاولوا ان تغيروا من طبعكم قليلا.. وتكونوا صادقين واضحين مع انفسكم.. واقتنعوا انكم مصابون بالفالج.. واسعوا للعلاج او على اقل تقدير.. لا تتسببوا بالاذى والتعب لغيركم.. لعل غيركم يأخذ بيدكم لوضع افضل مما انتم عليه.. وينعم الجميع بالراحة والصلاح والخير..