حدث على قبر في الجنوب
كلما عدت للجنوب, لابد أن اعبر من جانب المقبرة, ويقودني الحنين للدخول إليها وقراءة الفاتحة على قبر أمي وأبي..
المقبرة ممتلئة, وصرت أحيانا أتوه بين القبور, وأحيانا أجبر أن امشي بطريق خلفية حتى لا اعبر بين المستقر الأخير للذين رحلوا, وأدوس على طرف قبر.. وصرت أحيانا حين اقرأ أسماء الذين رحلوا على الأضرحة, اقرأ عليهم الفاتحة أيضا.
قبل فترة وحين هممت بقراءة الفاتحة, داهمني صوت سيدة بعيد.. تصرخ: (باباااا هي ماما إجتك), حين دخلت المقبرة كانت خالية... ظننت لوهلة أن الصوت قد جاء من قبر ما, وخفت أدرت وجهي باتجاه السيارة في محاولة للهروب.. ولكني فوجئت بسيدة تبكي على قبر أبيها وتنحب.. بطريقة غريبة.. وتعيد نفس الصراخ: (بابا....), قدمي لم تعد تحملني وقلبي صار ينبض بسرعة.. حين سمعت الصرخة..
المهم أكملت الفاتحة, وصرت أزيل الحشائش التي نبتت بجانب قبر أبي, وسرقت نظرة للسيدة... لا أنكر أن قلبي تعاطف معها, بالرغم من (البكاء الهائل) الذي أطلقته, والذي جعل مجموعة من القطط تشرد, بعد أن كانت تحتمي من البرد بجانب سور المقبرة.. والذي جعلني أنا أيضا مجرد كتلة من الهلع والخوف..
الغريب أنها بعد انتهاء نوبة (البكاء) بدأت بالتقاط (سلفي) لها بجانب القبر, وأنا عرفت السيدة.. تذكرت ملمحها.. ومن ثم قامت بتصوير الضريح, والتقطت مقطعا طوليا للقبر...ثم وضعت فلترا للصورة, وهل تحتاج القبور ولمن يريد التقاط الصور بجانيها أن يضع (فلترا)؟... بعد ذلك نشرت الصور على الفيس بوك, وكتبت بجانبها ملحمة في الرثاء تحتوي على (38) خطأ مطبعيا, ناهيك عن أخطاء الصياغة...
هذه الظاهرة تتكرر على وسائل التواصل الاجتماعي, أنا أريد توضيحا من دائرة الإفتاء العام.. حول عملية تصوير القبور, وتصوير أسماء الموتى ونشرها على وسائل التواصل... أريد أن أفهم أمرا مهما وهو: ألا يوجد للأموات حرمة, وللقبور حرمة؟.. هل يجيز الشرع لمن يريد زيارة القبر أن يلتقط اسم الميت وتاريخ وفاته ويقوم بنشر كل ذلك, في محاولات رخيصة لاستجداء العطف, وحصد الإعجابات.. وهل المقابر هي مستقر الذين ماتوا وغادروا الدنيا أم أماكن التقاط الصور, واستجداء الإعجابات!
هذه الظاهرة كثرت مؤخرا, صرت أشعر أن الأموات.. حتى الأموات لم يسلموا من وسائل التواصل الإجتماعي, التي دخلت في علاقة الزوج بزوجته, ووعلاقة الإبن... بابنه وتفاصيل الحياة..
للعلم حين سمعت صراخ تلك السيدة: (باااا بااا) هربت.. والحمد لله أنها لم تلمحني, وأنا حاولت أن أقنع نفسي بأني تعرضت لمطاردة من دبور...
رحم الله أمواتنا..
Abdelhadi18@yahoo.com