تفكيك الغضب: أزمة الخطاب والنواب
مما يُقال ويُصدَّر للناس أن هناك مشاريع تنموية قادمة، وأن الخيرات قادمة، وأن ما تقطعه الحكومات للمواطنين من وعود هو الخلاص النهائي لواقعهم الذي يزداد كل يوم إلحاحًا عليهم بأسئلة البطالة والفقر والتنمية المؤجلة ووعودها وتباشيرها، في وقت تدير به شركات التعدين الكبرى اليوم ظهرها لحاجات الناس وتتخلف عن مسؤولياتها المجتمعية.
ولعلّ أبرز ما شاهده المواطن خلال الفترة الماضية هو خطابات السادة أعضاء مجلس النواب في إطار نقاشاتهم للموازنة العامة للدولة، ولسنا هنا بحاجة لدراسة أبجديات الخطاب، ولا مقاصد النواب ولا شكلانية اللغة، بل تتصل المسألة عمقًا بتشوه عميق لمعنى الموقف، والعلاقة بين السلطة وممثلي الشعب، وسبب هذا التشوه هو المفهوم التداولي لمعنى السياسة وسلطة الرقابة المخولة والممنوحة للنواب.
حتى الآن، ينبغي القول إن الجلسات الرقابية لمجلس النواب لم تُعقد بشكل كافٍ يقلل أسئلة الناس المباحة، بل إن بعض النواب اختاروا مهاجمة ممثلي السلطة التنفيذية وإمطارهم بالنقد، في حين يعرف الناس المسائل الملحة في الميدان، ويدركون الفرق بين مناكفة الورزاء لمصالح شخصية وبين الطرح الوطني المسؤول.
للإنصاف، كانت الحكومة عاقلة في الاستجابة للسجالات النيابية، واختارت العقلانية؛ في المقابل، تراجعت السياسة والنقد السياسي العام في خطابات النواب، بالاستدارة نحو جمهور الدوائر الضيقة، وكانت خطابات بعض النواب المحسوبين على تيارات حزبية غاضبة. ويشعر البعض أن معارضة الحكومات وخطاب موازنتها لا يفيد بشيء، بل يحرم الغائب من مزايا الرضى الحكومي، فاختاروا الصمت واللوذ بالتأييد، وانعكس هذا الموقف العام على نسبة التصويت العالية بالموافقة على الموازنة وغياب البعض، فتراجع أداء السياسة والسياسيين، وبالمحصلة تراجعت الديمقراطية الأردنية وتراجعت السياسة من قبل ممثليها.
للأسف، يحدث هذا التراجع، على الرغم مما تمّ إنجازه من إصلاحات سياسية، كان يجب أن ينعكس هذا الإصلاح على النواب وعلى مجلسهم الحالي الذي يجب أن ينظر إلى الانتخابات المقبلة للمجلس القادم، والتي بات فيها مسار جديد للديمقراطية وشكل التمثيل الشعبي.
كان يجب أن يفيد النواب من فرصة خطاب الموازنة، لإعادة الاعتبار لموقع النائب، وتقديم لغة سياسية رفيعة، ومع وجود أصوات جيدة لديها فرصها، إلا أن السواد العام كان يدور حول إرضاء المواطن على مستوى الدائرة الأولى، وهو رضى مصلحي.
في المقابل، فإن موقف الوزراء، ربما كان ممارسة طقس الإسفنج، أي امتصاص النقد بالصمت، وعدم الرد، لكن الأفضل هو العمل في الميدان، وزيارة الناس، والتواصل معهم، والإنصات إليهم، والأهم عدم الالتفات لمن يريدون تعطيل الراهن وتأطير الإنجازات.
نعم، هناك غضب في الشارع العام وعدم رضى، وهناك مشاريع غير واضحة وغير مفسرة من قِبَل الحكومات، وهناك مساءلة غائبة، ورقابة نيابية في التراجع، وعلى مجلس النواب الكريم اليوم استعادة مكانته، والإفادة من الزمن المتبقي له، لكي يكون هناك مجلس قادم عام 2024، لديه فرصة لتحقيق إنجاز ديموقراطي أفضل.