حالة الغلاء
لا تلتفت يمنة أو يسرة في أي بقالة أو أحد محال الخضار وما يتبع ذلك من المستلزمات العامة، إلا وتجد الجميع يتذمر من القفز التلقائي للأسعار المنفلت رباطها، وأصبحت الشكوى المحقّة على لسان كل مواطن، بل الأنكى أن أصحاب المتاجر أنفسهم يشكون من ارتفاع الأسعار التي يقررها المستوردون وتجار الجملة، أكان في قطاع الصناعات أو التجارية حتى بسطات الخضار بات البائع يرمي الكرة في ملعب الحكومة، والجميع يعلم أن الحكومة تدعم سلة من السلع الضرورية، فيما هناك من يتجاوز دعم السلع ليبيع بأعلى سعر يستطيعه.
ليست مشكلة الأغذية هي الاستثناء، بل أن كافة القطاعات أخذت على عاتقها رفع ما يمكنها من إخضاع الزبائن، فرغم حالة الركود التي تلف قطاعات بعينها كالإسكانات وبنايات الإيجار والخدمات العامة، فليس هناك مرونة للكثير منهم كي يتنازلوا قليلا ويستمر عملهم بأرباح معقولة، حتى مالكو البنايات والمحال لا يريدون تخفيض قيم الإيجارات على المستأجرين، وهذا يدفعهم الى رفع أسعار منتجاتهم، والنتيجة بالتالي كما نرى من محال تجارية قد أغلقت أبوابها أو قلصتها لأدنى حد، وهذا ما يؤشر على الاستغلال في أبشع صوره.
هناك جملة عامية نسمعها أحيانا تقول: «اللي ما معه ما يلزمه"!، ماذا يعني ذلك، هل يُعاقب المواطن الذي يعيل عائلته بحرقة قلبه وهو يرى كل فائض الكماليات الفارهة التي تتزين في فلل وبيوت، ما شاء الله عليها، وتسُيج برتل من المركبات الفارهة وتُبدل كل عام حسب الموديل؟، أو الدخول الى محال لا يحلم موظف بسيط أن يمد بصره عليها، وهنا لن ندخل مع المرضى الذين يكتوون بقيمّ فواتير المستشفيات بحق وبغير حق، ثم نتذمر من مراجعات المرضى المؤمنين على حساب وزارة الصحة وغيرها لأن قاعات المراكز والمستشفيات لا تتسع لتلك الأعداد، فأين يذهب كل أولئك؟ إلى العطارين؟!
عندما وجه جلالة الملك لنهج التعاون بين المؤسسات كي نغير من آلية الكسل نحو التفكير بعيد المدى لنصل الى الإكتفاء الذاتي في زراعاتنا وصناعاتنا ومنتجنا الوطني الذي كان علامة فارقة قبل عقود بعيدة، وقبل أن تسبقنا دول كانت تستورد من الأردن العديد مما يلزمها، كان يدرك أن عالمنا العربي قد تغير تماما، وعلينا اليوم أن نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع ونبدع في ما ننفع، وهذه حكمة قديمة قدم الحضارة الفرعونية التي خبأت قمحها في سراديب الأهرامات حتى وقت قريب، ثم هاهي الدول القريبة قد باتت تصدر لنا منتجاتها من أبسط الأغذية حتى المواد الصناعية والمنتجات عالية الكفاءة، وكانت الأفكار والتشغيل عندهم قد بدأ بأيد إردنية، فيما تراجعنا مرة أخرى على حساب الجودةّ.
من يرى اليوم مشكلة عدد من مربي الأبقار والماشية، وكيف داهمتها الحمى القلاعية، يدرك أن هناك عدم كفاءة في البيئة الصحية والتهاون في مواعيد المطاعيم وكذلك نوعية التغذية، ونتيجة ذلك يدفع المزارعون وأصحاب الحضائر ثمنا باهظا لا يستحقونه، ورغم أن وزارة الزراعة تقوم بتدعيم المزارع بالأمصال المتوفرة، فإن عزوف المستهلكين سيؤثر على البيوعات، وهنا نعود الى رفع الأسعار مرة أخرى لتعديل المكاسب.
النتيجة: يجب إعادة الرقابة المشددة لوقف التهور في غلاء الأسعار في جميع القطاعات.
Royal430@hotmail.com