هل نحن مستعدون لمواجهة الكوارث؟
هل يوجد لدينا ما يلزم من امكانيات واستعدادات وخطط لمواجهة الكوارث الطبيعية ؟
أدعو الله، أولا، ان لا يتعرض بلدنا لأي مفاجأة أو امتحان في هذا السياق، احترم، ثانيا، التصريحات التي أدلى بها خبراء أردنيون حول استحالة حدوث زلازل في الأردن، لكن افتراضا أقول : إن ذلك ممكن، ولو بنسبة واحد بالمليون، ففي سجلنا التاريخي على امتداد 4000 عام نحو 60 زلزالا مدمرا، ما أقصده، ثالثا، ليس قدرتنا على المواجهة، لأنه لا يوجد دولة تستطيع ذلك لوحدها، وإنما الوقاية والاحتياط والجاهزية، لتقليل ما أمكن من خسائر في الارواح والممتلكات.
في إطار النقاش العام، لا يوجد في بلدنا قانون موّحد للكوارث والأزمات، كما لا يوجد استراتيجية وطنية لإدارة الكوارث، ولا نظام إنذار وطني للتحذير منها قبل وقوعها، ما يعني أن الحدّ من خطر الكوارث لم يُدرج بشكل واضح في السياسات والخطط الاغاثية والمستدامة، إضافة إلى أن التنسيق بين المجالس والإدارات المعنية بالأزمات والكوارث، سواء التي تعمل على المستوى الوطني العام (ثلاثة مجالس)، او التخصصي العملياتي، والفني، مازال ضعيفا.
في إطار النقاش أيضا، لا يوجد لدينا دراسات حديثة حول أوضاع البناء في الأردن، بحسب بعض المصادر تشكل الأبنية القديمة (عمرها من 40 إلى 70 عاما )، ما نسبته 35% بالعاصمة عمان، كما أن العمل بمعايير مقاومة الزلازل بدأ، فقط، عام 2005، وهذه المعايير تطبق على المخططات الهندسية، فيما تتفاوت نسبة الالتزام بها، لأنها مكلفة، علما أن قانون البناء الوطني الأردني صدر العام 1989، لاحظ، هنا، أن معظم الدراسات والإحصائيات المتوفرة تنصبّ على العاصمة، فيما يندر وجودها على صعيد المحافظات الأخرى.
ما حدث قبل نحو خمسة أشهر (ايلول 2022 )، حين انهارت إحدى العمارات في « اللويبدة» (بلغ عدد الضحايا 14 شخصا ) قد يسعفنا بمصارحة انفسنا، واختبار إمكانياتنا في مواجهة المخاطر والكوارث، وقد يساعدنا بمعرفة قدرة المباني القديمة على الصمود لمواجهة خطر زلزال، او اقل من ذلك، ما حدث، أيضا، أثناء مواسم الشتاء، خاصة عند تساقط الثلوج و تراكمها، يضيء لنا جانبا مهما من صورتنا في مرآة الأزمات، واقعة رصيف ميناء العقبة (راح ضحيتها 13 شخصا)، قبل نحو ثمانية أشهر (حزيران 2022 )، تعكس، أيضا، جانبا من قدراتنا الإدارية والفنية، وضعف خططنا عند التعامل مع المخاطر والكوارث.
إذا كانت هذه الأزمات الصغيرة (تعمدت عدم الإشارة لأخرى اكبر ) قد كشفت ما لدينا من امكانيات واستعدادات لإدارة الأزمات والمخاطر، وهي امكانيات متواضعة ومحدودة، فإن سؤال مواجهة كارثة أكبر -لا قدر الله - يحتاج إلى إجابات أخرى عميقة وثقيلة، أخشى أننا لم نفكر بها بعد، ما يستدعي التحرك بسرعة، على صعيد إدارة الدولة والمجتمع معا، لوضع منظومة متكاملة، بشريا و ماليا وعمليا، لتمكين بلدنا من الخروج بأقل الخسائر، فيما لو تعرضنا لأية أزمة، طبيعية أو بشرية، صغيرة أو كبيرة.
بقي لدي ملاحظة أخيرة، وهي أن قدَر بلدنا أن يعيش وسط محيط من الأزمات والكوارث، السياسية والجغرافيا والتاريخية، كما أن قدَره الذي نعتز به جعله من أول المبادرين لإغاثة الملهوفين، وتضميد جراح المصابين، وإيواء اللاجئين والمشردين، ربما يكون ذلك جزءا من «أسرار « منعة الأردن وصموده، وقدرته على ركوب الصعب دوما.
اما الأردنيون فرغم حالة اليأس والإحباط التي استغرقوا فيها، فإنهم قادرون على فهم معادلة بلدهم، وتقدير مواقفه، وجاهزون -إذا ما توفرت الادارة والحكمة في التعامل معهم - على مواجهة الأخطار وتجاوزها، والانتصار على أقدارهم ودفعها بأقدار اكبر، عنوانها إيمانهم بالله، ثم بلدهم الذي لا يملكون سواه.