نيران صديقة لكنها مكلفة
يستعمل مصطلح “نيران صديقة” في العمليات العسكرية، حين يتم اطلاق الرصاص على مجموعة عسكرية، من مجموعة حليفة، او صديقة، بالخطأ، وتؤدي هذه النيران في مرات الى مقتل افراد، او وقوع اصابات، وفي حالات لا تكون هناك اي اضرار.
منذ امس انهمرت النيران الصديقة على الحكومة الحالية، في جلسات مناقشة موازنة الدولة للعام الجاري، وكلام النواب في اغلبه يقدح الحكومة قدحا، والانتقادات توالت بشكل متواصل، فهذا حق النواب الدستوري، لكن للمفارقة سيتم التصويت نهاية المطاف لصالح الموازنة كما جرت العادة، برغم كل القدح الذي تطاير شرره ووصل الى الاردنيين عموما.
علينا ان ننتبه الى نقطة حساسة، فهذا القدح على عدم جدواه، الا انه يرتد على وجود الحكومة، ليس من باب التحريض، بل من باب اذكاء نار النقد لها، والتأثير على شعبيتها، وهذا الكم الهائل من النقد، لن يتبدد في لحظة، بل سيتم تخزينه في العقل الجمعي للاردنيين.
هذا يعني ان النيران الصديقة هنا مكلفة، ولايمكن الاستهانة بتأثيراتها العامة، حتى لو تم التصويت على الموازنة وقبولها، فهذا امر معتاد في هذه البلاد، خبرناه طوال عقود.
علينا ان نأخذ نماذج مما قاله النواب، فالنائب ميادة شريم تقول..” ابتلينا بحكومة لا تسمع ولا تحفظ ولا تعمل، فهي فقط تنشر ما لا تعمل وكل المشاكل والحلول التي تطرقنا لها تذهب سدى، والحكومة اذا لم تستطع عكس ارقام الموازنة لخدمة الوطن والمواطن فانها بذلك تكون قد تجاوزت اسباب وجودها، ووجب حجب الثقة عنها لتأتي حكومة قادرة على حمل اعباء المرحلة بما يتوافق مع مصلحة المواطن الأردني والشأن العام” …والنائب مجحم الصقور يقول” ما زلنا بانتظار أيامنا الجميلة التي لم تأت بعد ويبدو أننا سننتظرها طويلا”، وإن كنت يا دولة الرئيس غير قادر على قيادة الدفة فالاستقالة هي الحل”.. والنائب عطا ابداح قال امس “إن على الحكومة أن تحذر من تغريب الأردنيين في وطنهم بسبب المعضلة الاقتصادية التي أحبطت شبابنا من كثرة الفقر والجوع والعوز دون حلول قريبة تلوح في الأفق، وأن على الحكومة أن تلتقط رسائله لتعود بالنفع على البلاد والعباد”.. والنائب جعفر الربابعة يحذر رئيس الوزراء ويقول له..” أن قديم الفساد ما زال قائما، وجديده يهدد بالتحرك”… والنائب فايزة عضيبات تقول..” البرلمان يقدم دائما الاسئلة والاستجوابات ويجتهد في ممارسة دوره الرقابي والتشريعي تحت القبة، ولكن الحكومة تمضي وتفعل ما تريد وخير دليل على ذلك المضي قدماً باتفاقية المياه مقابل الطاقة مع كيان الاحتلال” .. ويأتي النائب محمود الفرجات ويقول..” إن النظام الضريبي اهلك المواطن، مشيرا الى أن مصانع اغلقت بسبب الاجراءات الحكومية والنظام الضريبي”.. فيما النائب علي الطراونة يقول..” إن إدراج المزيد من الضرائب في الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها أمر قد مله المواطن”.
هذه بعض ملخصات من كلمات مطولة، حملت نقدا هائلا للحكومة، وهي ذات اللغة التي سمعناها في كل البرلمانات السابقة، وامام الحكومات المتتالية، وكأن هذا الطقس يكرر ذاته.
الملاحظات الاهم هنا ترتبط بما يلي، اولها ان عملية النقد في نظر المواطن شكلية، لان النواب سوف يصوتون لصالح الموازنة نهاية المطاف، وثانيها ان النواب في اغلبهم بين نارين، نار نقل مشاكل الناس التي تعرفها الحكومة اصلا، ونار حاجتهم للوزراء في كثير من القضايا، وثالثها ان آليات الحوار والنقد لا تغير من اداء اي حكومة فعليا، وكأننا في موسم للكلام فقط، ورابعها ان الكلفة الارتدادية هي التأثير السلبي المنساب من العبدلي الى المواطنين الذين تشتد كل مرة غضبتهم من اداء اي حكومة موجودة، لان المواطن المتناسي لشؤون حياته، يأتي من يذكره بما هو فيه فيشتد حنقه، وخامسها، ان الخط البياني للنواب سيميل الى التصعيد مع التسريبات التي تتحدث عن اوضاع قد تستجد على صعيد وجود النواب والحكومة، وهي تسريبات لا جذر معلوماتياً لها، وان كانت متداولة بشكل وآخر بين النخب، وعامة الناس.
الخلاصة التي تقال، تتعلق عميقا، بأمرين اولهما مدى قدرة اي حكومة على الثبات امام هذه الرشقات المتوالية، وثانيها جدوى الكلام اصلا، ما دامت السياسات سوف تتواصل كما هي.
نيران صديقة. نعم. لكن كلفتها شعبية.