مَـرثـاةُ حُـلـم
غَـبَشٌ عَلى مِرْآةِ شَمْسِ الرّوحِ،
يَمْـلَأُها كَـآبـَـةْ.
نَـوْحٌ يُغَشّيْ هَمْسَ قَوْسِ القلبِ في أذُنِ الـرّبـَابـَةْ.
غَضَبٌ تَفَجّرَ فِي الطّبيعَةِ عَاصِفاً
ومَضى يُـزَمْجِـرُ في جُـنونْ
فَـتَـحُطُّ هَامَاتُ الصّنَوْبـَرِ،
تَحْتَ سَوْطِ الرّيْحِ عَاصِفَةً،
تُدَمْدِمُ فِي الشّوَارِعِ والْحُقُولْ.
وتُوَحْوِحُ الْجُدْرَانُ، والْأشْجَارُ،
تَرْتَجِفُ النّوافِذُ تَحْتَ مِطْرَقَةِ الْبُرُوقِ،
تَفُضُّ أقْفَالَ الْغُيومْ.
والـرَّعْدُ فَحْلٌ صَاخِبُ الْكَـفّـيْنِ،
وَثّابٌ عَلَى صَدْرِ السّحَابــَةْ.
***
فِي رُكْـنِ ذَاكَ السّفْـحِ،
فِي كُوْخٍ تَشَكَّلَ مِنْ صَـفِـيـحْ
كانَ الفَتَى القَرَوِيُّ يَشْرَبُ حُزْنـَهُ
مُـتَـدَثّـرَا بِحَنِـيـنـِهِ الدّفَـاقِ،
يَرسِمُ طيفَ مَنْ يَهْـوَى،
ويوغِلُ في مُحَيّاهُ الصّبيحْ
مُتَخَيّلاً بَـيْـتَاً، وَمِدْفَأةً، وَأنْـثَى مِنْ حَريـرْ
تَرْنـُو إليْهِ، وَوَجْهُهَا قَمَرٌ تَأَلّقَ في سَمَاءِ الْكَوْنِ:
بـَيـْدَرَ حِنْطَةٍ
قُرْصَاً مِن الشّهْدِ الْمُصَفّى
شَلّالَ عِطْرٍ فَاغِـمٍ،
وَدِثَارَ فـَرْوٍ نَاعِـمٍ
يـَنْـثـَالُ فَوْقَ أنـُوثَـةٍ
تَجْتَاحُ كَالْإعْصَارِ أشْجَارَ السّريرْ.
***
هُوَ حَالِمٌ،
والْحُلْمُ يُشْبِعُ جُوعَهُ الطّاغيْ إلى امْرَأةٍ،
تَصُبُّ الدّفْءَ في أوْصَالِـهِ.
وَتـَضُخُّ سِـرَّ لَهيـبِها
في الـرّخْوِ مِنْ صَلْصَالِـهِ
فَتـُحِيْلُهُ نَاراً تَـلَـظّى،
ثُمّ تُمْعِنُ في التّوَهُّجِ والسّعيـرْ.
***
بلهيبـِها الْقُدُسِيِّ تُشْعِلُهُ وتُطْفيهِ،
وَتَسْكُبُ روحَها فيـهِ،
تُـدَوزِنُهُ عَلَى أوْتارِ مُخْمَلِهَا...
وَتَقُوْلُ: كُـنْ
فَيَكُوْنُ مَا شَاءَتْ..
وُتَقُوْلُ: قُـمْ
فَيَقُوْمُ يَقْطِفُ مَا يَـلَـذُّ مِن الْغُصُونِ،
تَموجُ في الْحَقْلِ النّـضـيـرْ.
***
كَحَمَامَةٍ بَيْضَاءَ يَرْقى مَا يَشَاءُ وَيَرْتَمِيْ
مِنْ شَاهِق الرّبـَـواتِ،
لِلثّـغْرِ الْمُـنَدّى بِالرّحـيقْ..
وَهُناكَ يَـجْـثُو سَاجِداً
وَبِلَهْفَةِ الظّمْـآنِ يَخْلَـعُ ريشَـهُ
لِيـَعُبّ مِنْ نَـبـْعِ الْحَـيَاةِ ويـَرْتـويْ
كالظّبيِ يَرشُفُ مِنْ غَـديــرْ.
***
هو واهِمٌ
والوهْمُ تذروهُ الـرّياحْ
فالـبَردُ يَجْـلدُ ظَهـرَهُ الْعَاريْ الجَـريحْ
والرّيحُ تَجْتَاحُ الزّوايا الْهَاجِعَاتِ عَلى الطّوَى
واللصُّ مُنْدَفِعاً يُـجَـرِّدُهُ مْن الحُلُمِ الْمَلاذْ
فَـيـَهُبُّ مَذْعُوراً،
يُراقبُ مَا تطايـرَ،
مِنْ هَشيمِ البيدرِ المَنهوبِ في الزّمنِ الكَسيحْ
يَمضيْ إلى جُـبٍّ،
يَـمُصُّ دمـاءَ مَـوْطِـنِهِ الـذّبـيـحْ.