غازي عنتاب تودع قتلاها في صمت ودموع

مدار الساعة ـ نشر في 2023/02/10 الساعة 18:04

مدار الساعة ـ من علاوة مزياني وآسيا حمزة

بعد لحظات الزلزال المرعبة، تأتي صدمة الوداع الأخير لقتلى الكارثة التي ضربت جنوب تركيا وشمال سوريا وخلفت أكثر من 21 ألف قتيل. وبات الأهالي والأقارب يصطفون أمام المساجد، وهو ما لاحظناه بجامع بهاء الدين نقيب أوغلو في مدينة غازي عنتاب التركية.

نحن بساحة جامع بهاء الدين نقيب أوغلو في مدينة غازي عنتاب، في جنوب تركيا، كبرى المناطق التي تضررت من زلزال الإثنين الذي خلف أكثر من 21 ألف قتيل بينهم 17674 بتركيا (و3377 في شمال شوريا).

تنتظر العائلات لساعات طويلة قبل تشييع ضحاياها. في ساحة كبيرة، يقف الرجال يتقدمهم إمام مقابل ستة نعوش، بعضهما من المعدن الأخضر وأخرى من الخشب، مرفوعة بجانب بعضها البعض على طاولة من رخام أبيض لامع. يؤدي الإمام صلاة الجنازة، والمصلون يرفعون أيديهم إلى السماء داعيين الله أن يتغمد الموتى فسيح جنانه. "الله أكبر!".

يسارع الإمام في تلاوة سورة الفاتحة ليتيح المجال للتوابيت التالية، ما يخبر عن حجم الخسائر البشرية جراء الزلزال. وخلف حشد الرجال، نساء يبكين من شدة الألم. منظر مهيب. وبعد الصلاة، يهرع الرجال بدورهم لوضع النعوش داخل شاحنات بيضاء لأجل دفنها في عمليات مستمرة منذ الفاجعة التي حلت بالمنطقة.

وسط هذا المشهد المثير، التقينا جان، وهو شاب يعمل في لندن جاء لتركيا لدفن والده. كان بانتظار غسل والده المتوفى عند مدخل المبنى المخصص لهذا الغرض، وسمات التعب والوجع النفسي تطغى على وجهه. فقد كان في عمله عندما علم بحدوث الزلزال. وقال إنه حاول مرارا الاتصال بوالده (قبل سماع الخبر المؤلم) "لكنه لم يرد.. تعذر عليه الرد".

استقل الشاب أول رحلة نحو إسطنبول ومنها إلى بلدته نورداغي حيث وصل في اليوم التالي، ليكتشف مدى الدمار الذي حل هناك: "انهار كل شيء، البنايات والعمارات والمنازل، كيف يمكن وصف كل ذلك؟!" وأسر لنا جان أنه فقد والده وعمه وجدته في الزلزال، وقال إنهم "حاولوا الخروج عند بداية الزلزال لكن..." لكنه توقف عن الكلام فجأة، وعجز لسانه عن التعبير.

مكث جان ثلاثة أيام في نورداغي، حيث "تستمر عمليات البحث عن ناجين، المباني مهدمة والناس مشردة، والحاجات اليومية مفقودة". وها هو بدوره ينتظر دفن والده وسط زخم الشاحنات الجنائزية التي تغادر المكان وتعود. ينتظر جان غسل الجثة قبل نقلها لجامع بهاء الدين نقيب أوغلو ومن ثم إلى مقبرة عائلية قريبة.

مقبرة أسرتي تمتد على مساحة كبيرة، وما يلفت الانتباه هو كثرة المقابر الجديدة. هنا، تلقي العائلات نظرة أخيرة على نعش ضحاياها قبل تشييعها في كفن أبيض ودفنها بمستقرها الأخير.

مدار الساعة ـ نشر في 2023/02/10 الساعة 18:04