لقاءات الحكومة مع النواب

أ. د. ليث كمال نصراوين
مدار الساعة ـ نشر في 2023/02/08 الساعة 10:20
تشير التقارير الصحفية إلى أن رئيس الوزراء ومجموعة من الوزراء يقومون بعقد سلسلة من اللقاءات مع نواب المحافظات في المملكة، وبأن نواب محافظة جرش قد اعتذروا عن تلبية الدعوة وحضور الاجتماع، حيث أصدروا بيانا لهذه الغاية يتضمن أسباب الرفض.
إن هذه الاجتماعات التي يجري عقدها بين أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية لها طابع سياسي واجتماعي أكثر منه دستوري، ذلك أن العلاقة الدستورية بين هاتين السلطتين والتي تقوم على أساس الفصل المرن بينهما، تتجلى بشكل رئيسي في مجموعة من السلطات المتبادلة التي تُمارس وفق أحكام الدستور.
فالحكومة قد خصها المشرع الدستوري بجملة من الصلاحيات المتعلقة بوجود مجلس النواب وممارسته لمهام عمله، والتي تتمثل في التوقيع مع جلالة الملك على الإرادات الملكية بدعوة المجلس النيابي إلى الاجتماع وإرجاء الدورات البرلمانية وتأجيلها وفضها. كما يملك مجلس الوزراء اقتراح مشاريع القوانين، وإصدار القوانين المؤقتة في ظل غياب مجلس النواب وذلك ضمن شروط محددة على سبيل الحصر.
في المقابل، تتمثل صلاحيات مجلس النواب في مواجهة الحكومة في ممارسة الرقابة السياسية البرلمانية بآلياتها المختلفة من السؤال والاستجواب والمناقشة العامة وطرح الثقة. وفي هذا الإطار، فإن ما يجري عقده من اجتماعات حكومية نيابية لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره مظهرا من مظاهر المناقشة العامة، والتي عرفتها المادة (131) من النظام الداخلي لمجلس النواب بأنها تبادل الرأي والمشورة بين المجلس ككل والحكومة.
فالمناقشة العامة تنعقد بناء على طلب خطي تقدمه أي كتلة أو ائتلاف نيابي، أو ما نسبته (15%) من أعضاء مجلس النواب أو من الحكومة نفسها، حيث يقوم رئيس مجلس النواب بتحديد موعد المناقشة العامة خلال فترة لا تتجاوز أربعة عشر يوما من تاريخ الطلب، إلا إذا رأى المجلس أن الموضوع غير صالح للنقاش فيقرر استبعاده، وذلك عملا بأحكام المادة (133) من النظام الداخلي لمجلس النواب.
ومع ذلك، تنبع أهمية هذه اللقاءات الحكومية النيابية في اعتبارها وسيلة اجتماعية لتبادل وجهات النظر بين الطرفين، وبأنها فرصة لممثلي الشعب أن يستمعوا إلى أعضاء الفريق الوزاري حول الخطط والأهداف الحكومية المتعلقة بتحسين إدارة المرافق العامة للدولة وتقديم الخدمات الحكومية للمواطنين. فالجوانب الاجتماعية في علاقة الوزراء بالنواب ستلقي بظلالها على الأدوار الدستورية لكل منهم، وستخلق حالة من الود والتآخي على الصعيد الوظيفي، بعيدا عن المشاحنات والمناكفات النيابية للوزراء في الحكومة، خاصة وأن مناقشات مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2023 ستبدأ قريبا، والتي عادة ما يرافقها أجواء مشحونة وكلمات هجومية من النواب على الحكومة وفريقها الوزاري.
وتبقى الملاحظة الأبرز على النشاط الاجتماعي الحكومي النيابي أنه يجري تنظيمه على أساس إقليمي ومناطقي، حيث يتم توجيه الدعوة للنواب بصفتهم ممثلين عن المحافظات الأردنية. فإن كانت الرغبة الحكومية تكمن في توزيع لقاءاتها على شكل مجموعات نيابية، كان الأجدر بها أن تقوم بتوجيه الدعوات «للنواب الضيوف» على أسس ومعايير مختلفة، كأن يتم دعوة نواب الكتل النيابية على انفراد للنقاش والحوار معهم.
وفي هذا السياق، فقد أكدت الأمانة العامة لمجلس النواب أنه قد جرى تشكيل (7) كتل نيابية مع بداية الدورة العادية الحالية للمجلس التاسع عشر، ضمت في عضويتها (117) نائبا، وبأن عدد النواب المستقلين بلغ (13) نائبا فقط.
في المقابل، فقد كانت الأسباب التي قدمها نواب محافظة جرش لرفض الدعوة الحكومية تكريسا للفكر النيابي السائد الذي يقوم على أساس المناطقية في التمثيل. فهم قد استغلوا الفرصة لتوجيه سهام النقد إلى الحكومة لإهمالها المحافظة التي يمثلونها، وبأنها أقل المحافظات التي تلقى الاهتمام والدعم، فلا يوجد فيها جامعة حكومية ومدينة صناعية أسوة بباقي المحافظات، وبأنها بحاجة إلى مستشفى حكومي جديد لخدمة أبناء المحافظة.
إن هذا التبرير النيابي لرفض اللقاء مع الحكومة بحجة وجود نقص في مستوى الخدمات المقدمة في المحافظة يشكل خروجا عن مفهوم النظام البرلماني القائم على أساس أن النائب يمثل الأمة وليس دائرة انتخابية، وبأن العضو المنتخب في الديمقراطية النيابية يقوم بمهام التشريع والرقابة وليس «نائب خدمات». بالتالي، يجب أن يتمتع بالاستقلالية التامة عن ناخبيه، وألا يخضع لأوامرهم وتوجيهاتهم أثناء فترة تواجده في السلطة التشريعية.
إن انجاح خطة التحديث السياسي كما يريدها جلالة الملك يفرض على السلطات الدستورية أن تقدم المثال الأفضل لجمهور الناخبين بأن القادم في مجال إدارة الشؤون العامة سيكون مختلفا عما هو الحال عليه الآن، وبأنه لا بد من الارتقاء عن أية اعتبارات محلية ضيقة وتقديم المصلحة الوطنية العليا للدولة.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
مدار الساعة ـ نشر في 2023/02/08 الساعة 10:20