وكأن السوريين كان ينقصهم هذا أيضا
تشعر بأسى بالغ على حال السوريين، وكأنه كان ينقصهم زلزال فوق ما هم فيه، من حرب، وخراب، وتشرد ملايين الأشقاء في هذه الدنيا التي جارت عليهم بكل ما تعنيه الكلمة.
آلاف الشهداء، والجرحى في حلب واللاذقية وحماة وطرطوس، والزلزال يوحد المعارضة والموالاة، عنوة، لأن الذين أصابهم الزلزال من الفريقين، وكأن الزلزال يعلن عدم اعترافه بكل هذه التقسيمات التي رأيناها في الشقيقة سورية، على مدى أكثر من عشر سنوات.
مأساة السوريين أكبر بكثير من مأساة الأتراك الذين تعرضوا أيضا إلى كارثة بما تعنيه الكلمة، إذ فقدوا حياة الآلاف، وتضررت البيوت، وما تزال المأساة في بدايتها، لأن أعمال الإنقاذ مستمرة، وكل يوم سوف يتم تحديث الأرقام لترتفع مجددا، بسبب هذه الكارثة المؤلمة.
علينا أن نقف إلى جانب المتضررين في سورية، وتركيا، وبرغم ضعف أحوالنا الاقتصادية، إلا أن إطلاق حملات إغاثة قد يؤدي إلى جمع ما هو ممكن وإرساله للبلدين، في ظل هذا الوضع.
لكننا نعود إلى مأساة السوريين، فالكوارث عادة تأتي الواحدة تلو الأخرى، وكأن لعنة حلت ولا تريد أن ترحل، ومشاهد البيوت في حلب، مثلا، وهي تسقط، عمارة تلو عمارة، مرعبة، ولا ننسى هنا درجات الحرارة التي تنخفض تحت الصفر، وأين سيذهب الأبرياء، في هذه الأجواء، التي تعصف بالمدن السورية، أو بمخيمات اللجوء شمال سورية، أو في مناطق ثانية.
إنسانيتك أولا تجعلك تتعاطف مع كل متضرر من أي كارثة قد تقع، لكن هنا تشتد العاطفة، لأن هؤلاء أبناء قوميتك ومنطقتك وأمتك، ولا يمكن أن تكون مشاعرك تجاههم عادية أبدا.
الأردن الذي شعرت بعض مناطقه بالزلزال، استيقظ أهله على خبر الفاجعة، وما من واحد في هذه البلاد، إلا ويشعر بالتأثر على ما وقع لهم، وليس أدل على ذلك من تعليقات الأردنيين على وسائل التواصل الاجتماعي، ودعوات شخصيات معروفة لإطلاق حملات إغاثة، إضافة إلى تبرع مؤسسات وشركات معروفة للسوريين في هذه المحنة التي ندعو الله أن ترتفع عنهم.
ربما هناك أكثر من عبرة، أهمها أن الظروف المشابهة التي قد تقع في أي بلد، تهدد كل المباني القديمة، وفي الأردن لا بد من جهد فاعل وحقيقي وغير شكلي، لمراجعة أوضاع المباني، ولنا تجربة صعبة أشرت إليها البارحة في حادثة انهيار عمارة اللويبدة التي احتاج التعامل معها إلى أسابيع، من أجل إزالة الأنقاض، والبحث عن ناجين، وهذا الأمر لا يقال اليوم على سبيل التخويف، بل لأن لدينا عمارات قديمة، وأبنية قد لا تصمد أمام أي ظروف مشابهة.
هذه هي الحياة بكل ما فيها من مرارة، ينام الأبرياء في بيوتهم ويصحون فجرا على زلزال مرعب، فينجو من ينجو، ويرحل من يرحل، وتقع مأساة جديدة تضاف إلى سجلات السوريين، في السنين الأخيرة، فلا يعرف السوري..”من أين يتلقاها”.. كما نقول بالعامية، من قصف الطائرات، أو من زلزلة الأرض، وما بينهما من صراع بائس أكل الأخضر واليابس.
لا بد من حملة إغاثة شعبية للسوريين والأتراك، نشارك فيها كلنا، وإطلاق هذه الحملة ليس سياسيا، وأن يتم دعم الحملات التي تم إطلاقها، ويكفي ما أعلنته منظمة الصحة العالمية، التي قالت أمس أن عدد المتضرّرين بالزلزال المدمّر الذي أودى بحياة الآلاف في تركيا وسورية، قد يصل إلى 23 مليونا، لأن الأضرار غير محصورة بشكل نهائي حتى الآن، ولأن الأضرار تتجاوز المتضررين المباشرين، لتصل إلى الحياة ذاتها، وأنماطها اليومية الاجتماعية والاقتصادية.
قلوبنا معهم جميعا، وندعو الله أن يلطف بهم.