توصيات اقتصادية للموازنة
سلسلة المقالات السابقة حول مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2023 في هذه الزاوية خلال الأيام الماضية كانت تهدف أولاً وأخيراً إلى إبراز رأي واقعي وعلمي وعملي لحقيقة مؤشرات الخطة المالية للدولة والخروج بتوصيات قابلة للنقاش وتقديمها لراسمي السياسة المالية في الدولة.
على ضوء الأرقام المالية السابقة في مشروع قانون الموازنة يتأكد للجميع أن المرونة المالية والمساحة المتاحة للتحرك قد تكون شبه معدومة، لكن واضح أيضاً أن مصادر اعتماد الخزينة شبه محدودة على مصادر مالية محددة تكاد هي الأخرى تكون محدودة للغاية.
لذلك، فإن أولى أولويات عمليات الإصلاح المالي لا بد من الخروج بتفكير غير تقليدي لتنويع مصادر الإيرادات العامة، وعدم الاعتماد على الضرائب بشقيها كطريق وحيد للدخل، والبحث عن مشاريع ذات جدوى وعوائد استثمارية، وقد يتطلب الأمر دراسة موضوع صندوق استثماري سيادي، أو تطوير عمل شكل شركة إدارة الاستثمارات الحكومية بحيث تدار في نهاية الأمر لتصبح صندوقاً سيادياً يشابه مع ما هو موجود لدى دول الجوار، والإمكانات الموجودة، فأصول الدولة ومساهمات الحكومة منتشرة في الكثير من القطاعات والمساهمات التي هي بحاجة لإعادة تفعيل استثمارها بالشكل الصحيح والمطلوب، بحيث تصبح في النهاية تدر دخلاً للخزينة يسهم في مساندة نفقاتها التمويلية المتزايدة.
رغم إشادة المؤسسات المالية الدولية بالمالية العامة الأردنية، تبقى بعض الملفات المحلية بحاجة إلى حلول محلية مع الأخذ بآراء المؤسسات الدولية في بعضها، خاصة في بعض القضايا الرئيسية التي تشكل تحدياً في معالجتها أو مواجهتها لطبيعتها وخصوصيتها الشعبوية كملف الدعم المالي لعدد من السلع، والذي يذهب لغير مستحقيه كالخبز والغاز على سبيل المثال لا الحصر، مما يشكل هدراً حقيقياً للمال العام، ويدلل على سوء الإدارة لموارد الدولة المحدودة.
من الضروري بمكان الاستمرار في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي وتحديداً مع صندوق النقد الدولي، لأنه يشكل ضمانة حسن سلوك في الخارج وتحديداً لدى المانحين وجهات التمويل الدولية، ويشكل قوة ضغط حقيقية في الإصلاح، خاصة في مكافحة التهرب الضريبي التي قطع الأردن شوطاً كبيراً فيها، وباتت أنموذجاً حقيقياً على الإصلاح الفعلي الذي حقق نتائج مالية عالية وكبيرة في فترة قصيرة جداً.
لا بد من العمل على تغيير النموذج الاقتصادي للاعتماد على الموارد والثروات سواء البشرية أم الفنية أو الطبيعية، وعدم انتظار إثبات وجود الموارد التقليدية في طريقة إعداد الموازنة العامة.
تبقى قضايا مالية مزمنة تحتاج إلى تفكير خارج الصندوق في معالجتها وأيد لا ترتجف في اتخاذ القرارات، والتي تحتاج إلى حوار معمق ما بين الحكومة والنواب للتصدي لها ووضع خارطة طريق لكيفية النهوض بها ومعالجة التشوهات الحاصلة فيها كمعالجة شركة الكهرباء وتوفير المكاشفة والمصارحة في معالجتها.
أخيراً لا بد من سير الدين العام بما فيها ديون صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي في مسار هبوطي تدريجي ضمن خطة استراتيجية وطنية لإدارة الدين العام، وهنا يتطلب الأمر فهما وتحركا جريئا لكيفية التفريق بين الاقتراض والاستدانة لسداد العجز والاستدانة لتعزيز النمو الرأسمالي.
التوصيات السابقة كلها قابلة للنقاش والتأسيس عليها، بشكل يحقق وضع الموازنة على مسار آمن يساعدها في السير باتجاه تعزيز الاعتماد على الذات، وتوظيف رشيد لموارد الدولة المختلفة.