'ليش' راجع
أبنائي وأبناء اشقائي وشقيقاتي وبناتنا يحملون شهادات علمية بمختلف التخصصات ،ومع ذلك فإن عشرة منهم هم الان خارج الأردن، بعد أن ضاقت بهم فرص العيش ولم يحصلوا على فرص عمل في وطنهم. لكن ابن شقيقتي امجد التل حصل مؤخرا على درجة الماجستير من ارقى الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية ، قرر شد الرحال إلى بلده ولو من باب الزيارة ،لكنه فوجئ بحجم اللوم والتقريع الذي واجهه على هذا القرار .
بدأ تقريع امجد كما قال لي من الأردنيين في الولايات المتحدة الأمريكية الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم. فكل منهم قال له عندما سمع بقراره(شو مروحك)،ثم قرعه كل من شاهده من اردنيين في المطارات الأمريكية ،وعلى متن الطائرة التي حملته إلى عمان، وانبه بشدة موظفوا الجوازات والجمارك في مطار الملكة علياء الدولي، بعبارات اقلها (ليش راجع)،ومايتبع هذه العبارة من عبارات الاستغراب واللوم على هذا القرار الذي اعتبره البعض جنونا.
الطامة الكبرى أن امجد ذهب إلى إحدى مؤسسات العمل التطوعي العاملة في محافظة اربد ليضع جهده ووقته في خدمتها متطوعا، لكنه فوجئ بمحاضرة تأنيب ولوم على قراره المجنون بالعودة إلى الأردن، ألقاها عليه من استقبله في مكاتب تلك المؤسسة التطوعية .
ما حدث لامجد يتكرر يومياً مع مئات الشباب الأردني ،فقد صارت الهجرة بحثا عن عمل هدف لمعظم شبابنا ،بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة في بلدهم، لكن الخطر فيما حصل مع امجد وغيره من شبابنا ،هو أن هذه الواقعة تدل على موت روح الانتماء للأردن ، يجعل هدف هجرة الأردنيين لبلدهم ليس مجرد هجرة للبحث عن فرصة عمل ثم العودة للوطن كما كان عليه الحال لعقود طويلة ،فلم تمر حقبة من تاريخ الاردن المعاصر، خاصة في النصف الثاني من القرن الماضي لم يكن فيها آلاف الأردنيين يشدون رحالهم بحثا عن فرص العمل ،لكن هدفهم الرئيس وربما الوحيد لهم كان العودة للأردن والتأسيس لحياة هانئة لهم و لأبنائهم ،لذلك فإن ماحدث مع امجد والسؤال الذي سمعه مئات المرات (ليش راجع) يدل على تحول خطير في علاقة الاردنيين مع وطنهم اول اشاراته ،ان هجرة الكثيرين من الأردنيين صارت هجرة نهائيه ، يشجعهم على ذلك اهلهم ومعارفهم، وهذا يعني موت الروح الوطنية ،وهو خطر يجب أن ننتبه له، خاصه في ظل استهداف الأردن في هذه المرحلة الحرجة في تاريخ الأمة.