قوّة نووّية 'لن تُهزَمَ' في حربٍ 'تقليديّة'.. 'إنذارٌ' روسِيّ حاسِم (2-2)
في رد فعل أميركي سريع يعكس ارتباكاً أكثر مما يؤشر إلى إدراك ولو متأخر بأن صبر موسكو قد «عيل», وإن استمرار المعسكر الغربي بكل أجنحته وتحالفاته وخلافاته وبخاصّة في ظل السطوة الأميركية المُتجدّدة على أوروبا وحلف شمال الأطلسي/الناتو، والذي لخّصته المواقف والتصريحات الأميركية الأخيرة, في إشارة إلى أنه/الناتو, لم يكن مُوحداً في يوم من الأيام أكثر مما هو عليه الآن، ما يؤكد – في نظرهم بالطبع – فشل مساعي فلاديمير بوتين في إحداث شرخ في صفوف الحلف العسكري الذي يصل عدد أعضائه إلى «30» دولة ومُرشح لأن يصبح «32» دولة, إ?ا ما وعندما يتمّ قبول السويد وفنلندا إليه, رغم أنهما قدّمتا طلب الإنضمام للحلف في أيّار من العام الماضي, لكن تركيا وهنغاريا لم تُصادقا عليه حتى الآن.
نقول: بعد الانتقادات الحادة التي وجّهها نائب رئيس مجلس الأمن الروسي/ميدفيديف للمعسكر الغربي, خاصّة إشارته إلى أن «هزيمة قوة نووية في حرب تقليدية قد تشعل حرباً نووية».... ما رآه البيت الأبيض الأميركي على لسان نائبة الناطقة باسمه/أوليفيا دالتون: إنه «خطأ خطير ومن الضروري تخفيف حِدّته»... الأمر الذي بدا فيه البيت الأبيض وكأنه قد فوجىء على نحو غير مسبوق, ليس في ما انطوى عليه تصريح ميدفيديف فقط, بل خصوصاً في ما انطوى عليه تفسير ناطق الكرملين لتصريح ميدفيديف, عندما قال: إن تصريحات ميدفيديف تتّفق تماماً مع عقيدة ?وسكو النووية». ما رفع منسوب الوضوح/التحدّي إلى مستوى أعلى, رغم أنها جاءت منسجمة تماماً مع ما كانت موسكو أكدته, على لسان بوتين وقادة روس غيره منذ انطلاق العملية العسكرية الخاصة في 24 شباط 2022.
تبرز أيضاً التصريحات اللافتة التي أدلى بها مسؤول الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي/جوزيب بوريل, عندما «ذكّر» مُستمعيه في الحفل الذي أقيم في مدريد حصل فيه/ بوريل على جائزة منتدى الاقتصاد الجديد, بالقول: إن روسيا بلد كبير وهي مُعتادة - أضاف – على مُواصلة القتال حتى النهاية. وأن تقِف على حافّة الهزيمة, ثم لا تلبث - استطردَ - أن تُعيد بناء كل شيء... فعلتْ ذلك مع نابليون، وفعلتْ الشيء نفسه مع هتلر، ومن السُخفِ - واصلَ - الاعتقاد بأن روسيا خَسِرت الحرب وأن جيشها غير كفؤ».
صحيح أن المسؤول الأوروبي أوردَ حقائق تاريخية, يصعب عليه وعلى غيره طمسها أو تجاوزها, رغم مُحاولات المعسكر الغربي وبخاصّة الولايات المتحدة, الطمس على حقيقة أن الجيش الأحمر السوفياتي هو الذي دحر النازية ورفع العلم الأحمر على مبنى الرايخ الألماني, وقام بتحرير «كل» دول شعوب أوروبا الشرقية من النازية والفاشية، إلاّ أنه - بوريل - أراد من وراء تلك, الدعوة إلى «ضرورة مُواصلة تسليح أوكرانيا», في انسجام وتماهٍ مع حزب الحرب في الناتو والاتحاد الأوروبي وصقور البيت الأبيض والبنتاغون الأميركيّين. رغم زعمه أن «الاتحاد الأ?روبي ليس طرفاً في الصراع الذي بدأ عام 2014 ولا يُريد - كما ادّعى - أن يُصبح طرفاً فيه، مُحاولاً - الاتحاد - حتى اللحظة الأخيرة تجنّب الصِدام المباشر».
يحتاج المُتابع والمُراقب كما المُحلّل والمُختصّ, التوقّف عند ما أوردته الطبعة الأميركية من American Greatness تحت عنوان «هزيمة أوكرانيا تجعل وجود الناتو موضِع تساؤل» والذي أورده موقع «الثقافة الاستراتيجية» على قناة تيلغرام (كما ترجمَه الصديق الدكتور زياد الزبيدي, المتابع بشغفٍ ومُثابرة للمشهد الروسي). إذ تقول: لقد ولّت الأيام التي كان يُمكن فيها لأوكرانيا الاعتماد على إمدادات عسكرية مُستقرة وموثوق بها من الناتو لقواتها المُسلحة على الجبهة. بعد عام من الصراع، تكاد–أضافت–ترسانات الأسلحة الثقيلة الغربية أن تك?ن قد استنفدت, وسيكون من المستحيل تجديد المخزونات في المستقبل القريب. هناك حقائق عسكرية - تُواصِل - تعمل الآن في أوكرانيا, يَرفض الساسة الحاِلمون في واشنطن الاعتراف بها. الروس–استدركتْ–يستعدّون للاختراق. قد يكون الوقت قد فات الآن لمحاولة منعهم، ويجب على الغرب الآن أن يمُد يده نحو الدبلوماسية الحقيقية, للتأكّد من أن الفرصة لم تضيع بعد».
*** استدراك:
سارعتْ الولايات المتحدة إلى تصنيف «مجموعة فاغنر» العسكرية الروسية الخاصّة, كــَ«منظمة إجرامية دوّلية», إثر تحرير المجموعة مدينة سوليدار الاستراتيجية, فيما تجاهلتْ وتتجاهل واشنطن المجموعة العسكرية الأميركية/الخاصة التي تحمل اسم «بلاك ووتر», والتي تجلّت ارتكاباتها الإجرامية في العراق وبخاصة في مدينة الفلّوجة. إضافة إلى دول وساحات عديدة, تتواضع أمام ارتكاباتها ما يتم إتهام «فاغنر» بها. علماً أن الأخيرة/فاغنر تأسست عام 2014.
kharroub@jpf.com.jo