نتائج التوجيهي لم تعد «سرا نووياً»!
للمرة الاولى تغلق وزارة التربية والتعليم دائرة الضغط والترقب وتعلن عن موعد نتائج امتحان الثانوية العامة الذي نتمنى رحيله باسرع وقت، مغلقة بذلك باب التأويل والجلوس على مقاعد القلق داخل الاسرة الاردنية التي تقدم احد اعضائها الى الامتحان ولمنح الجهات المعنية فرصة لوضع خططها لمواجهة الاحتفالات المصاحبة للفرح والتصرفات الناجمة عن الحزن ايضا، فما زال التوجيهي وآلية التفاعل مع نتائجه بحاجة الى خطط امنية والى استعدادات من كوادر الدفاع المدني وشرطة السير وباقي مؤسسات الاشتباك مع النشاط الشعبي العام .
منذ تسلمه وزارة التربية والتعليم والوزير عمر الرزاز يقدم النموذج الايجابي تلو الآخر في ادارة ملف كان يضغط على الاعصاب الحساسة للاسرة الاردنية، فالامتحان بمجمله سار بسلالة لولا موجة الحر القاسية وهذه لا دخل للرزاز فيها، ولم نشهد تدخلات لقوات الدرك او حالة استنفار قصوى في اركان الدولة، مما يدلل ان الموقع الرسمي بحاجة الى قائد وليس الى وزير اداري، فالحالة التي قدمها الرزاز في ادارة العمل الوزاري جديرة بالمتابعة والاحترام، فهو سحب صواعق واطفأ حرائق كانت مشتعلة واخرى قابلة للاشتعال وهذا هو الاهم .
المكاشفة دوما اقصر الطرق في الوصول الى الرأي العام وتحقيق نتائج ايجابية معه، ولا ادري حد اللحظة سبب ابقاء نتائج التوجيهي في الخزانة الدماغية لوزير التربية ولباقي اركان حربه بوصف امتحان الثانوية تحوّل في لحظة وطنية الى معركة، وكيف يمكن استنساخ تجربة المكاشفة التي فتح ابوابها الرزاز في باقي القضايا والمسائل الوطنية الصغيرة والكبيرة، فهل ثمة مانع من احترام عقول الاردنيين ومكاشفتهم بالحقائق والنتائج ؟ بدل فتح الباب للتخريص والتوقع والاستماع تارة الى مصدر يؤكد ومصدر آخر ينفي .
قطعا عمر الرزاز لم يخترع العجلة حتى لا يذهب عقل بعضنا بعيدا، ولكنه من مدرسة سياسية تحترم الناس وتحترم مفهوم المواطنة وتحترم حق الجمهور في المعرفة ولا يحتاج الى هذا الغموض المعشعش في اذهان مسؤولينا لفرض مهابة وهيبة، فالرجل يمتلك بعمله كل تلك الصفات وهذا ما نحتاجه اليوم لاعادة الهيبة للدولة واعادة الثقة بالقرار الحكومي، المصارحة وبعدها تأتي المصالحة مع القرار الحكومي، نحتاج الى مسؤول كاشف وقادر على اعلان خطوته القادمة واستقبال التغذية الراجعة من الناس .
يتغنى المسؤول بالعادة في المواطن الاردني والمجتمع الاردني، لكنه في اول منصب ينقلب الى خازن للاسرار والمعلومات وكان الشارع الوطني لم يبلغ سنّ الفطام بعد ولا يستطيع التعامل والتفاعل مع المعلومة والتحضير لها، ويصبح شغوفا اكثر في تشويق المواطن ومباغتته، وكأنه نجم سينمائي يحتاج الى اللقطة الاخيرة في الفيلم كي يستدرج تصفيق الجمهور – ربما لا يصفق الجمهور للبطل في السينما هذه الفترة فذلك كان سلوكا لجيلنا – ويستشعر بمضاعفة قيمته بالصمت وادخال المواطن في حالة الترقب والقلق كأن الريح تحته حسب وصف المتنبي .
خطوة كشف موعد نتائج الثانوية العامة هي ابسط حقوق الطالب واهله، ولكنها ظلّت سرّا نوويا يمسك ارقامها السرية فريق الوزارة بقيادة الوزير، واخيرا جاء وزير ليكشف هذه الاسرار النووية قبل ايام من موعدها ومسقطا نظرية الترقب والقلق، ونتمنى ان يحذو باقي الوزراء حذوه فيقولون لنا ما يجب ان نعرفه وليس ما يفترضون ان نعرفه، فهم مجرد موظفين عندنا وليسوا اكثر من ذلك .
هيبة المسؤول بمكاشفته للناس واحترام حقوقهم وهيبة الدولة ليست مفهوما شُرطيا او امنيا، بل مفهوما انسانيا في المقام الاول، يعتمد على احترام حقوق الموطن وعدم العليائية عليه بحكم المنصب او الوظيفة وبهذه الخطوات البسيطة نسترد هيبة الدولة ونسترد ثقة الناس .
الدستور