أيها العرب.. لا تتركوا مصر
مدار الساعة ـ نشر في 2023/01/16 الساعة 03:54
تعتبر جمهورية مصر العربية البُعد السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي للوطن العربي عبر التاريخ، فهي البلد الذي يتوسط العالم القديم والوطن العربي بمساحة 1 مليون كيلومتر مربع وبتعداد سكاني 100 مليون نسمة وبناتج محلي إجمالي بلغ 469 مليار دولار, وبدين خارجي 172 مليار دولار بنسبة 37% من الناتج المحلي لعام 2022،في حين بلغ مجموع الدين الإجمالي (الداخلي والخارجي) 409 مليارات دولار ليشكل أيضاً 87% من الناتج المحلي.
لقد دخلت مصر الربيع العربي عام 2011 ودفعت الثمن من اقتصادها بكلفة فاقت 200 مليار دولار, إلى أن تمكنت من إعادة توازنها بقيادتها الوطنية الحالية والتي اجتهدت من أجل تلبية طموحات شعبها ووضع اسم مصر على الخارطة العالمية.
بدأت مصر عام 2015 بمشاريع إستراتيجية عملاقة لتُحدث نقلة نوعية في حياة المصريين من نهضة عمرانية وتحديث في البُنى التحتية لم تشهدها منذ زمن طويل وكان أهمها العاصمة الإدارية الجديدة, وذلك لجلب الاستثمارات العالمية وإزالة العشوائيات والتشوهات السكانية لعمل المساكن الجديدة وحل مشاكل الاختناقات المرورية في المدن الرئيسية وخصوصاً في العاصمة المصرية القاهرة, وتوفير فرص عمل للشباب المصري, كان ذلك تخطيطاً إستراتيجياً عميقاً يصب في صالح مصر حكومة وشعباً وللأجيال القادمة, حيث أن 10- 20% من تكلفة هذه المشاريع وخصوصاً العاصمة الإدارية الجديدة نُفذت بسواعد أبنائها من القوات المسلحة المصرية.
لقد تراوح سعر صرف الجنيه المصري عام 2015 من 7-8 جنيهات للدولار وكانت الفرصة مواتية لإطلاق المشاريع الإستراتيجية لجلب الاستثمارات الخارجية وتهيئة البُنى التحتية للمصانع والتجارة والسياحة والزراعة وعمل المساكن الجديدة والطرقات والجسور والأنفاق والمراكز التجارية وغيرها, وقدرت أكلاف التحديث 400 مليار دولار خلال السبع سنوات الماضية، إلى أن تعرض الاقتصاد المصري للصدمة الأولى القوية التي أثرت عليه وهي كوفيد 19 أو ما تُعرف بأزمة كورونا التي ضربت العالم وما تبعها من مُعيقات أثرت على الاقتصاد المصري بشكل عام وعلى العملة المصرية الجنيه مقابل الدولار بشكل خاص, ومما زاد الأمر سوءاً وتعقيداً الحرب الروسية – الأوكرانية والتي أثرت على مصر أكثر من أي دولة في العالم والسبب أن مصر لديها علاقات تجارية متبادلة مع الدولتين المتصارعتين, فكانت الخسائر مزدوجة إضافة إلى التأثيرات العالمية المشتركة من غلاء في أسعار السلع والطاقة وانقطاع لسلاسل الإمداد وارتفاع نسبة التضخم العالمية, والتي قام الفيدرالي الأمريكي على إثرها برفع الفائدة على الدولار 7 مرات, كل ذلك أثر على الاقتصاد المصري والعملة المصرية الجنيه ودفع مصر إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي لسداد ديونها وجدولة بعضها ولتأمين مستورداتها من الغذاء والسلع الأخرى ولدعم ما تبقى من مشاريعها.
بدأت قصة انخفاض سعر صرف الجنيه نتيجة تقدم مصر لطلب الحصول على قرض 14 مليار دولار وتمت الموافقة على 3 مليارات دولار منه, والذي اشترطت الجهة المانحة على مصر تعويم الجنيه المصري بشكل كامل, والذي يُفسَر بضرب للاقتصاد المصري من قبل جهات أخرى لعوامل سياسية, وخصوصاً أن الجميع يعلم أن المتغيرات العالمية الحالية ليست في صالح تعويم عملة أي بلد مهما كانت قوة اقتصادها, نظراً للضبابية في الاقتصاد العالمي, مما أدى التعويم إلى نتائج عكسية على الجنيه المصري, وانخفاضه لقرابة 30 جنيها مقابل الدولار الواحد, فالسؤالان اللذان بحاجة إلى الإجابة, لماذا حصل ذلك في هذا التوقيت؟ وهل هناك ضريبة سياسية على مصر نتيجة مواقفها السياسية من القضايا العربية والدولية؟
إن العمق الاقتصادي للوطن العربي وقوته يكمن في دول الخليج التي تُصدر يومياً 18 مليون برميل نفط أي ما يشكل 19% من ما يُصدره العالم، ولضمان استمرارية هذا العُمق والبحث عن البديل للوقود الإحفوري اتجهت هذه الدول إلى التفكير بتوطين الصناعات المختلفة, لسد احتياجاتها أولاً ولتأمين طرق آمنة للتبادلات التجارية مع دول العالم ثانياً, لذلك تُعتبر مصر البوابة الغربية البحرية والجوية لدول الخليج لتصدير منتجاتها في المستقبل لأفريقيا ولأوروبا ولأمريكيا الشمالية، كما هي الأردن والتي تُعتبر البوابة الشمالية البرية والجوية لدول الخليج مع دول أوروبا ودول آسيا الشمالية الغربية, وحيث أن نظام العولمة العالمي Globalization قد انحسر, وحل محله نظام الأقلمة Regionalization والذي تعتبر فيه بلاد الشام ومصر امتدادا لتبادلات تجارية آمنة وسهلة وبتكلفة أقل لدول الخليج مع دول أوروبا وأفريقيا والجزء الشمالي الغربي من آسيا وأمريكيا الشمالية, يستوجب ذلك من دول الخليج الاستثمار في مصر وبلاد الشام خصوصاً الأردن في البُنى التحتية المتنوعة من مشاريع الطاقة المتنوعة وسكك الحديد وإنشاء وتوسعة المطارات والموانئ فيها, لضمان تدفق البضائع الخليجية في العقد القادم، إضافة إلى إنشاء المصانع التي ترفد المصانع الرئيسية في دول الخليج بالصناعات الثانوية أو جزء من المنتج ومثال على ذلك: تنوي السعودية إنشاء مصنع كبير لإنتاج السيارات الكهربائية بالتعاون مع الصين بقدرة 100 ألف سيارة سنوياً, فمن الممكن الاستثمار في عمل مصانع للإطارات في مصر ومصانع لإنتاج الزجاج الخاص للسيارات في الأردن فذلك يصب في مصلحة الأطراف جميعها لتوفر المواد الخام للمصنعين في مصر والأردن والأيدي العاملة المهرة والمدربة لديهم.
إضافة إلى الاستثمار في الزراعة ودعمها في مصر وبلاد الشام (الأردن) فمصر تملك الدلتا والأردن يمتلك الغور الأردني فكلاهما سلتان متنوعتان من الخضراوات والفواكه المختلفة والتي تُنتَج على مدار العام،إضافة إلى استغلال السهول الخصبة فيهما لزراعة المحاصيل الإستراتيجية من قمح وشعير وأرز, لتأمين الغذاء المطلوب للفترة القادمة للدول العربية وخصوصاً دول الخليج،حيث أنه من المتوقع أن يكون هناك نقص في الغذاء العالمي يُقدر ب20% في العقد القادم لأسباب عديدة.
لنعود إلى مصر ولنرى إمكانيات الخروج من المأزق التي هي فيه, وهو انخفاض سعر صرف الجنيه إلى 30 جنيها مقابل الدولار بعيداً عن التصرف بالأصول المصرية السيادية من خلال:
1) تسويق جزء من العاصمة الإدارية الجديدة على الصين للاستئجار والاستثمار فيها وعملها «مركز للتجارة الأفريقية – الصينية «, لتنتقل لها إدارة الشركات الصينية المختلفة من صناعية وتجارية وتكنولوجية وخدماتية ولوجستية كمراكز إقليمية لخدمة القارة الإفريقية والاستثمار فيها, وهذا أيضاً يُحقق مصلحة صينية حيث تطمح في ذلك لتطوير مبادرة الحزام والطريق والتي رصدت لها 8 ترليونات دولار حتى عام 2049, ويساعد مصر في الاستثمارات الصينية وتوطين بعض الصناعات المختلفة فيها.
2) تقليص الواردات إلى أقصى درجة من السلع الغذائية والبضائع المختلفة,وخصوصاً تلك التي تُنتج محلياً إلى أن يتعافى الجنيه, لأن ثمن أي سلعة مستوردة ستكون تكلفتها في الوقت الحالي الضعف.
3) على القطاع الخاص تحمل مسؤوليته تجاه بلده من كافة الأطياف السياسية والانتماءات الحزبية لأن مصلحة مصر أهم من أي اختلافات بينهم, حيث على أصحاب الثروات الكبيرة أن يجلبوا جزءاً من أموالهم من الخارج وإيداعها في البنوك المصرية بضمانات حكومية عن طريق سندات أو شهدات إيداع أو إيداعات مالية مباشرة بالعملات الصعبة، وعمل برامج إعلامية مباشرة وحملات تلفزيونية لدعم الجنيه المصري بالتسابق إلى ذلك من قبل الشركات والأفراد, أوعقد مؤتمر وطني لدعم الاقتصاد يشارك فيه القطاع العام والخاص.
4) على جميع العاملين المصريين في الخارج الزيادة في تحويل العملة الصعبة إلى البنوك المصرية وعدم الاحتفاظ بها في الخارج.
5) على جميع المواطنين عدم إثارة الجلبة في ما يخص سعر الصرف ومقاطعة السوق السوداء وذوي الأجندات المشبوهة, وعدم الاحتفاظ بالعملات الأجنبية والذهب في منازلهم، لأن البنوك هي ملاذهم الآمن.
6) التقشف الحكومي الإداري وترشيق الجهاز الحكومي وترشيد الاستهلاك في القطاعين العام والخاص, وإعطاء الصلاحيات واللامركزية لكافة المحافظات وتشكيل خلايا اقتصادية لكل محافظة، ووضع اليد على السلع الغذائية والدوائية لضمان عدم احتكارها وتوزيعها بالشكل الصحيح, لضمان عدم هدرها واحتكار أسعارها, وإيجاد فُرص العمل للمواطنين بالتعاون مع القطاع الخاص من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة والاستثمار بها بعد دراستها وتذليل عقبات كل محافظة حسب خصوصيتها.
7) التوجه للزراعة وإنتاج ما تحتاجه مصرمن غذاء وإيجاد بدائل غذائية لما تستورده, وتشجيع التصنيع الزراعي المحلي.
8) التركيز على السياحة والترويج لها وعمل كافة التسهيلات اللازمة للسياح من خلال برامج سياحية مشتركة مع دول مجاورة كالأردن لتنويع زيارة الأماكن الدينية والأثرية والثقافية والعلاجية.
9) التكافل الاجتماعي وتشجيع الشركات والمصانع على تقديم الدعم اللازم ضمن حملات ومساعدات عينية للقرى المتواجدة فيها وتفعيل الخدمات المجتمعية.
10) دعوة الصناديق السيادية العربية وخصوصاً الخليجية للاستثمار في البُنية التحتية المصرية واللوجستية والنقل من موانئ ومطارات وسكك حديدية, وفي الصناعات التحويلية والزراعية والبتروكيماويات والخدمات الصحية والتعليمية, وإنتاج الغاز والطاقة النظيفة خصوصاً الهيدروجين الأخضر وتطوير المناطق السياحية والمدن المستدامة.
11) رفع رسوم العبور من قناة السويس.
12) التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية المصرية في البحر الأبيض المتوسط والمعادن في صحراء سيناء.
إن جميع الإجراءات السابقة لو قامت بتنفيذها الحكومة المصرية وكل مواطن مصري في الداخل أو في الخارج، وأن تكون الثقة في الدولة المصرية هي الخيار الوحيد, ستعمل جميعها على إعادة التوازن للجنيه المصري مع العلم بأن نسبة الدين الخارجي المصري إلى الناتج المحلي هي 37 % وهذا الدين بالعملات الصعبة وعلى رأسها الدولار, فالوضع لا يدعو إلى القلق،فالمشكلة هي مشكلة ثقة وتشكيك من بعض الفئات التي لا تريد الخير لمصر, للخروج من هذا الوضع بأسرع وقت ممكن, وكلنا ثقة بأن مصر لن تبقى وحيدة في هذه المشكلة لأن إخوانها العرب وخصوصاً أهل الخليج سيهبون أيضاً لمساعدتها, لقطع الطريق على أي جهة مهما كانت تريد النيل من الاقتصاد المصري, لأن التاريخ أثبت أن المصريين بعزمهم وإرادتهم وحبهم لوطنهم قادرون على اجتياز هذه العقبة.
الخبير في المجال الأمني والاقتصادي والتكنولوجي
mhaddadin@jobkins.com
لقد دخلت مصر الربيع العربي عام 2011 ودفعت الثمن من اقتصادها بكلفة فاقت 200 مليار دولار, إلى أن تمكنت من إعادة توازنها بقيادتها الوطنية الحالية والتي اجتهدت من أجل تلبية طموحات شعبها ووضع اسم مصر على الخارطة العالمية.
بدأت مصر عام 2015 بمشاريع إستراتيجية عملاقة لتُحدث نقلة نوعية في حياة المصريين من نهضة عمرانية وتحديث في البُنى التحتية لم تشهدها منذ زمن طويل وكان أهمها العاصمة الإدارية الجديدة, وذلك لجلب الاستثمارات العالمية وإزالة العشوائيات والتشوهات السكانية لعمل المساكن الجديدة وحل مشاكل الاختناقات المرورية في المدن الرئيسية وخصوصاً في العاصمة المصرية القاهرة, وتوفير فرص عمل للشباب المصري, كان ذلك تخطيطاً إستراتيجياً عميقاً يصب في صالح مصر حكومة وشعباً وللأجيال القادمة, حيث أن 10- 20% من تكلفة هذه المشاريع وخصوصاً العاصمة الإدارية الجديدة نُفذت بسواعد أبنائها من القوات المسلحة المصرية.
لقد تراوح سعر صرف الجنيه المصري عام 2015 من 7-8 جنيهات للدولار وكانت الفرصة مواتية لإطلاق المشاريع الإستراتيجية لجلب الاستثمارات الخارجية وتهيئة البُنى التحتية للمصانع والتجارة والسياحة والزراعة وعمل المساكن الجديدة والطرقات والجسور والأنفاق والمراكز التجارية وغيرها, وقدرت أكلاف التحديث 400 مليار دولار خلال السبع سنوات الماضية، إلى أن تعرض الاقتصاد المصري للصدمة الأولى القوية التي أثرت عليه وهي كوفيد 19 أو ما تُعرف بأزمة كورونا التي ضربت العالم وما تبعها من مُعيقات أثرت على الاقتصاد المصري بشكل عام وعلى العملة المصرية الجنيه مقابل الدولار بشكل خاص, ومما زاد الأمر سوءاً وتعقيداً الحرب الروسية – الأوكرانية والتي أثرت على مصر أكثر من أي دولة في العالم والسبب أن مصر لديها علاقات تجارية متبادلة مع الدولتين المتصارعتين, فكانت الخسائر مزدوجة إضافة إلى التأثيرات العالمية المشتركة من غلاء في أسعار السلع والطاقة وانقطاع لسلاسل الإمداد وارتفاع نسبة التضخم العالمية, والتي قام الفيدرالي الأمريكي على إثرها برفع الفائدة على الدولار 7 مرات, كل ذلك أثر على الاقتصاد المصري والعملة المصرية الجنيه ودفع مصر إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي لسداد ديونها وجدولة بعضها ولتأمين مستورداتها من الغذاء والسلع الأخرى ولدعم ما تبقى من مشاريعها.
بدأت قصة انخفاض سعر صرف الجنيه نتيجة تقدم مصر لطلب الحصول على قرض 14 مليار دولار وتمت الموافقة على 3 مليارات دولار منه, والذي اشترطت الجهة المانحة على مصر تعويم الجنيه المصري بشكل كامل, والذي يُفسَر بضرب للاقتصاد المصري من قبل جهات أخرى لعوامل سياسية, وخصوصاً أن الجميع يعلم أن المتغيرات العالمية الحالية ليست في صالح تعويم عملة أي بلد مهما كانت قوة اقتصادها, نظراً للضبابية في الاقتصاد العالمي, مما أدى التعويم إلى نتائج عكسية على الجنيه المصري, وانخفاضه لقرابة 30 جنيها مقابل الدولار الواحد, فالسؤالان اللذان بحاجة إلى الإجابة, لماذا حصل ذلك في هذا التوقيت؟ وهل هناك ضريبة سياسية على مصر نتيجة مواقفها السياسية من القضايا العربية والدولية؟
إن العمق الاقتصادي للوطن العربي وقوته يكمن في دول الخليج التي تُصدر يومياً 18 مليون برميل نفط أي ما يشكل 19% من ما يُصدره العالم، ولضمان استمرارية هذا العُمق والبحث عن البديل للوقود الإحفوري اتجهت هذه الدول إلى التفكير بتوطين الصناعات المختلفة, لسد احتياجاتها أولاً ولتأمين طرق آمنة للتبادلات التجارية مع دول العالم ثانياً, لذلك تُعتبر مصر البوابة الغربية البحرية والجوية لدول الخليج لتصدير منتجاتها في المستقبل لأفريقيا ولأوروبا ولأمريكيا الشمالية، كما هي الأردن والتي تُعتبر البوابة الشمالية البرية والجوية لدول الخليج مع دول أوروبا ودول آسيا الشمالية الغربية, وحيث أن نظام العولمة العالمي Globalization قد انحسر, وحل محله نظام الأقلمة Regionalization والذي تعتبر فيه بلاد الشام ومصر امتدادا لتبادلات تجارية آمنة وسهلة وبتكلفة أقل لدول الخليج مع دول أوروبا وأفريقيا والجزء الشمالي الغربي من آسيا وأمريكيا الشمالية, يستوجب ذلك من دول الخليج الاستثمار في مصر وبلاد الشام خصوصاً الأردن في البُنى التحتية المتنوعة من مشاريع الطاقة المتنوعة وسكك الحديد وإنشاء وتوسعة المطارات والموانئ فيها, لضمان تدفق البضائع الخليجية في العقد القادم، إضافة إلى إنشاء المصانع التي ترفد المصانع الرئيسية في دول الخليج بالصناعات الثانوية أو جزء من المنتج ومثال على ذلك: تنوي السعودية إنشاء مصنع كبير لإنتاج السيارات الكهربائية بالتعاون مع الصين بقدرة 100 ألف سيارة سنوياً, فمن الممكن الاستثمار في عمل مصانع للإطارات في مصر ومصانع لإنتاج الزجاج الخاص للسيارات في الأردن فذلك يصب في مصلحة الأطراف جميعها لتوفر المواد الخام للمصنعين في مصر والأردن والأيدي العاملة المهرة والمدربة لديهم.
إضافة إلى الاستثمار في الزراعة ودعمها في مصر وبلاد الشام (الأردن) فمصر تملك الدلتا والأردن يمتلك الغور الأردني فكلاهما سلتان متنوعتان من الخضراوات والفواكه المختلفة والتي تُنتَج على مدار العام،إضافة إلى استغلال السهول الخصبة فيهما لزراعة المحاصيل الإستراتيجية من قمح وشعير وأرز, لتأمين الغذاء المطلوب للفترة القادمة للدول العربية وخصوصاً دول الخليج،حيث أنه من المتوقع أن يكون هناك نقص في الغذاء العالمي يُقدر ب20% في العقد القادم لأسباب عديدة.
لنعود إلى مصر ولنرى إمكانيات الخروج من المأزق التي هي فيه, وهو انخفاض سعر صرف الجنيه إلى 30 جنيها مقابل الدولار بعيداً عن التصرف بالأصول المصرية السيادية من خلال:
1) تسويق جزء من العاصمة الإدارية الجديدة على الصين للاستئجار والاستثمار فيها وعملها «مركز للتجارة الأفريقية – الصينية «, لتنتقل لها إدارة الشركات الصينية المختلفة من صناعية وتجارية وتكنولوجية وخدماتية ولوجستية كمراكز إقليمية لخدمة القارة الإفريقية والاستثمار فيها, وهذا أيضاً يُحقق مصلحة صينية حيث تطمح في ذلك لتطوير مبادرة الحزام والطريق والتي رصدت لها 8 ترليونات دولار حتى عام 2049, ويساعد مصر في الاستثمارات الصينية وتوطين بعض الصناعات المختلفة فيها.
2) تقليص الواردات إلى أقصى درجة من السلع الغذائية والبضائع المختلفة,وخصوصاً تلك التي تُنتج محلياً إلى أن يتعافى الجنيه, لأن ثمن أي سلعة مستوردة ستكون تكلفتها في الوقت الحالي الضعف.
3) على القطاع الخاص تحمل مسؤوليته تجاه بلده من كافة الأطياف السياسية والانتماءات الحزبية لأن مصلحة مصر أهم من أي اختلافات بينهم, حيث على أصحاب الثروات الكبيرة أن يجلبوا جزءاً من أموالهم من الخارج وإيداعها في البنوك المصرية بضمانات حكومية عن طريق سندات أو شهدات إيداع أو إيداعات مالية مباشرة بالعملات الصعبة، وعمل برامج إعلامية مباشرة وحملات تلفزيونية لدعم الجنيه المصري بالتسابق إلى ذلك من قبل الشركات والأفراد, أوعقد مؤتمر وطني لدعم الاقتصاد يشارك فيه القطاع العام والخاص.
4) على جميع العاملين المصريين في الخارج الزيادة في تحويل العملة الصعبة إلى البنوك المصرية وعدم الاحتفاظ بها في الخارج.
5) على جميع المواطنين عدم إثارة الجلبة في ما يخص سعر الصرف ومقاطعة السوق السوداء وذوي الأجندات المشبوهة, وعدم الاحتفاظ بالعملات الأجنبية والذهب في منازلهم، لأن البنوك هي ملاذهم الآمن.
6) التقشف الحكومي الإداري وترشيق الجهاز الحكومي وترشيد الاستهلاك في القطاعين العام والخاص, وإعطاء الصلاحيات واللامركزية لكافة المحافظات وتشكيل خلايا اقتصادية لكل محافظة، ووضع اليد على السلع الغذائية والدوائية لضمان عدم احتكارها وتوزيعها بالشكل الصحيح, لضمان عدم هدرها واحتكار أسعارها, وإيجاد فُرص العمل للمواطنين بالتعاون مع القطاع الخاص من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة والاستثمار بها بعد دراستها وتذليل عقبات كل محافظة حسب خصوصيتها.
7) التوجه للزراعة وإنتاج ما تحتاجه مصرمن غذاء وإيجاد بدائل غذائية لما تستورده, وتشجيع التصنيع الزراعي المحلي.
8) التركيز على السياحة والترويج لها وعمل كافة التسهيلات اللازمة للسياح من خلال برامج سياحية مشتركة مع دول مجاورة كالأردن لتنويع زيارة الأماكن الدينية والأثرية والثقافية والعلاجية.
9) التكافل الاجتماعي وتشجيع الشركات والمصانع على تقديم الدعم اللازم ضمن حملات ومساعدات عينية للقرى المتواجدة فيها وتفعيل الخدمات المجتمعية.
10) دعوة الصناديق السيادية العربية وخصوصاً الخليجية للاستثمار في البُنية التحتية المصرية واللوجستية والنقل من موانئ ومطارات وسكك حديدية, وفي الصناعات التحويلية والزراعية والبتروكيماويات والخدمات الصحية والتعليمية, وإنتاج الغاز والطاقة النظيفة خصوصاً الهيدروجين الأخضر وتطوير المناطق السياحية والمدن المستدامة.
11) رفع رسوم العبور من قناة السويس.
12) التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية المصرية في البحر الأبيض المتوسط والمعادن في صحراء سيناء.
إن جميع الإجراءات السابقة لو قامت بتنفيذها الحكومة المصرية وكل مواطن مصري في الداخل أو في الخارج، وأن تكون الثقة في الدولة المصرية هي الخيار الوحيد, ستعمل جميعها على إعادة التوازن للجنيه المصري مع العلم بأن نسبة الدين الخارجي المصري إلى الناتج المحلي هي 37 % وهذا الدين بالعملات الصعبة وعلى رأسها الدولار, فالوضع لا يدعو إلى القلق،فالمشكلة هي مشكلة ثقة وتشكيك من بعض الفئات التي لا تريد الخير لمصر, للخروج من هذا الوضع بأسرع وقت ممكن, وكلنا ثقة بأن مصر لن تبقى وحيدة في هذه المشكلة لأن إخوانها العرب وخصوصاً أهل الخليج سيهبون أيضاً لمساعدتها, لقطع الطريق على أي جهة مهما كانت تريد النيل من الاقتصاد المصري, لأن التاريخ أثبت أن المصريين بعزمهم وإرادتهم وحبهم لوطنهم قادرون على اجتياز هذه العقبة.
الخبير في المجال الأمني والاقتصادي والتكنولوجي
mhaddadin@jobkins.com
مدار الساعة ـ نشر في 2023/01/16 الساعة 03:54