ضغوطات شعبية على النواب

سلامة الدرعاوي
مدار الساعة ـ نشر في 2023/01/12 الساعة 00:44
الأصل في عمل النائب أن يكون مراقبا على الأداء الحكومي ومشرعا للقوانين المنظمة للحياة العامة في البلاد، وهذا ما نص عليه الدستور في توزيع الأدوار على سلطات الدولة، فمجلس النواب المنتخب هو سلطة عليا وأساسية في التشريع والرقابة، والنائب يمارس هذا الدور حسب الدستور.
لكن من الناحية العملية نجد أن غالبية النواب وليس كلهم يمارسون دورا خدماتيا ومطالبيا على السلطة التنفيذية في الدولة وهي الحكومة، فنادرا ما نجد نائبا لا يطالب بالتوظيف والتعيين والنقل، والمطالبة كذلك بالخدمات لمناطقهم الانتخابية، وهذا يكون إما في كواليس الاجتماعات مع الوزراء وبشكل سري، أو علني ومباشرة بخطابات رنانة وواضحة خاصة أثناء جلسات مناقشة الثقة والموازنة.
السلوك المطلبي الخدماتي للنواب فرضته الحكومات عليهم من خلال الواقع المرير الذي شهد تراجعا في الخدمات العامة وغيابا في العدالة على مختلف مستوياتها، الأمر الذي دفع النواب للتوجه والتدخل مباشرة لتلبية احتياجات ومطالب ناخبيهم ومناطقهم المختلفة.
غياب العدالة في التعيينات، ورضوخ الحكومات للوساطات والمحسوبيات، وعقد الصفقات الخفية بين الحكومات والنواب لتمرير الثقة والموازنة وبعض القرارات والتشريعات المهمة ساهم في انتشار الشكل الخدماتي للنائب، والذي لجأ إليه المواطنون من أجل التعيين لعدم ثقتهم بإجراءات وأسس الحكومة في ذلك.
ضعف الخدمات الحكومية، وغياب الخطط الشاملة، والسير المؤسسي في الإصلاح الاقتصادي، دفع المواطنين للجوء إلى نوابهم في مناطقهم لتحسين واقع الخدمات فيها من طرق وشبكات مياه وكهرباء وغيرها من الخدمات التي هي بالأساس حق مشروع لكل مواطن ومنطقة وحي، ولو كان هناك مسطرة واحدة في التعامل التنموي الخدماتي مع محافظات المملكة وقراها ومخيماتها لما لجأ المواطنون إلى النواب والضغط عليهم للحصول على حقوقهم.
تراجع المستوى المعيشي للأردنيين وانتشار البطالة وجيوب الفقر هي بالأساس ثمرة الفشل الحكومي في إدارة العمل الرسمي للاقتصاد والعملية التنموية، فالشباب المتعطل اليوم عن العمل يبحث عن وسيلة للعمل، ويشكل أداة ضغط مباشرة على النواب في مناطقهم الانتخابية، والنائب لا يملك سوى الضغط على الحكومة لتمرير صفقات تعيينات هنا وهناك، حتى يخرج ببياض الوجه أمام ناخبيه.
لكن في الحقيقة ان المشاهد السابقة في شكل العلاقة بين النائب والحكومة بدأت تختلف منذ سنوات قليلة، فالحكومات باتت تدرك أن مطالب النواب باتت مكلفة على الخزينة، وأن أي عملية إصلاح للاعوجاج الاقتصادي والتنموي سيقاوم بشدة من النواب أنفسهم والمواطنين، فلا توجد ثقة بأن سلوك الحكومات في التعيينات سيكون شفافا وبعيدا عن المحسوبيات، فالواسطة لن تنقطع بنظر الكثير من النواب والمواطنين، حتى لو أكدت الحكومة ذلك مرارا وتكرارا ومارسته فعلا على أرض الواقع، فالتعيينات في نظر النواب والشارع هي غير عادلة.
هذا بسبب غياب الثقة التي باتت معدومة بين الحكومة والنواب والمواطنين، فلا أحد يثق بالآخر، والكل يتسلق على هموم المواطنين وأمنهم المعيشي لكي يحقق غاياته، فالنواب يريدون العودة دائما إلى مقاعد العمل النيابي، والحكومة تريد ثقة المجلس للاستمرار في الرابع، والضحية هو المواطن.
فقدان الثقة جعل من أي عملية إصلاحية تقوم بها الحكومة محل شك وعدم تقدير من أي جهة، وهذا نتيجة طبيعية لتراكمات سنين من الأداء العام المبني على غياب العدالة والشفافية والنزاهة في التعامل مع الشأن العام.
الشارع فقد الأمل في الحكومات وفي خططها وخطاباتها، وهم يلجأون للنواب للتسلل للحكومة وتجاوز بيروقراطيتها، حتى لو كانت مطالبهم تتجاوز القانون، فهي في نظرهم صحيحة لأنهم لا يثقون بالقرار الحكومي، لذلك لن تنتهي سلسلة الضغوطات الشعبية على النواب طالما بقيت الثقة مفقودة بين الشارع والحكومة، وطالما بقيت العدالة التنموية غائبة عن المجتمع والخدمات الحكومية في تراجع، لذلك فإن أول أولويات الإصلاح هو تحقيق العدالة وتعزيز دولة القانون.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/01/12 الساعة 00:44