عبدالهادي راجي 'انحشر' داخل 'الحمام'

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2023/01/10 الساعة 00:54
أرهقني الأرق أمس, كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة فجرا.. وقلت في داخلي لابد من حمام ساخن.. ولابد من غسل الأسنان, ربما تساعدني المياه الدافئة في جلب النعاس لعيني.
دخلت الحمام.. وغسلت أسناني ونشفت جسدي.. وسرحت شعري باتجاه اليمين... وقلبت الشيبات في رأسي ثم وضعت القليل من الكالونيا, وهممت بالخروج... لكن ما يبدو فإن قفل الحمام انكسر في يدي.. واستعصى الباب على الفتح..
ماذا يفعل رجل حشر في حمام؟ وفي الهزيع الأخير من الليل... حاولت طرق الباب ولكني خفت من أن أوقظ الأولاد.. وحتى لو استيقظوا ماذا سيفعلون لقفل مكسور؟ والدفاع المدني بالطبع لن تتصل به.. لأن هاتفي تركته في الخارج, ولا أعرف لماذا اصطحبت علبة السجائر معي... من دون ولاعة.. في النهاية جلست على الأرض انتظر بزوغ الشمس, وأفكر في حلول مبتكرة لفتح الباب.
كنت عاجزا ومحبطا وكسيرا, تخيلوا.. أن رجلا في منزله يخاف طرق باب الحمام, القصة ليست في الطرق.. ولكنها في الأولاد، لقد خفت أن يعجزوا عن فتح الباب... وأنا أبي حين مات طلب مني أن أغادر غرفته, حتى لا أراه يغادر الحياة وأصاب بانكسار.. أمي فعلت ذلك أيضا وطلبت مني مغادرة الغرفة... غلبتني عاطفتي لحظتها, وخفت على ياسر- ابني- أن يرى والده مسجونا في حمام ويعجز عن فعل شيء..
المهم بقيت حتى مطلع الفجر, وكنت أغني بصوت هادئ: (يا اللي الحرير يجرحك وش عاد ملبوسك حرصك يدنق عليك النذل وايبوسك).. واستعدت أغنية من التراث الفلسطيني لسناء يونس كنت أحفظها عن ظهر قلب: (زعق طير الحمام... وقال بتهون علينا وع جميع الخلق بتهون.. وحق من نزل المي من العيون.. ذكركم عندي دوم ما انتسى)..
وتذكرت لحظة الغناء, بداياتي في الصحافة.. وكم مرة سجنت, وكم مرة عبرت من الزنزانة... وتذكرت أن أجمل (حبس) في الدنيا, كان حضن أمي.. حين داهمني التهاب اللوز في الصف الأول الإبتدائي ولم ينفع العلاج.. ونمت بين يديها, كانت كفها العلاج والوطن والحلم والجنة.. وكان المرض منفى.
غفوت بعدها حتى طلعت الشمس.. وصحوت على صوت ياسر ينادي: (بابا تلفونك برن).. مباشرة استجمعت قواي ونهضت, وأوهمت الفتى أني دخلت الحمام من دقائق فقط, وطلبت منه أن يحضر لي الهاتف... وحين أتى به صرخت: (أووووه المفتاح انكسر)..
القصة انتهت.. حين طلبت من ياسر أن يضرب الباب بقدمه.. قلت له: يبدو أني حشرت يا ولدي.. وفعلا بضربتين لا ثالث لهما قام (بفسخ) الباب..
لم يعرف أحد من المنزل أني سجنت في الحمام (4) ساعات... ومع ذلك لم اجرؤ أن أطرق الباب..
يسألني صاحبي أمس: لماذا اصبحت مقالاتك هادئة؟..
يا صاحبي الكتابة أحيانا تشبه طرق الأبواب.. وأنا لا أحب ايقاظ من خلفها.. دعني يا صاحبي بين اللحن والذكريات.. فذلك أجمل من طرق الأبواب.
Abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2023/01/10 الساعة 00:54