عندما يتحدّث جلالة الملك للشعب
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/06 الساعة 01:21
على غير المتعارف عليه عالمياً فإن الظهور الملكي في الأردن يكون في الغالب بعيداً عن البروتوكولات والمراسم الشكلية، ذلك لأن للأردن ملكا مسؤولا غير تقليدي يحكم من الميدان لا من أبراج عاجية. يوّجه الملك كلامه للمسؤولين تارة وللشعب تارة وبحكم خبرتي العملية فإني أعلم كما يعلم كل مسؤول خاطبه الملك يوماً أنه إذا ما تحدّث فإنه يعلم فيم يقول ولم يقول.
الملك يؤمن بوجود دولة كاملة بسلطاتها ومكوناتها، حيث تقوم كل من هذه السلطات ومكوّناتها بالواجب المنوط بها وعلى أكمل وجه، ولهذا إذا عدنا لتحليل خطاباته وأوراقه النقاشية بجدية نجد أنه يعرّف الدور الواجب على كل جهة بداية من المواطن ووصولاً إلى السلطات الثلاث وحتّى المعارضة. نعم، الملك لم ينتقد ولم يمتعض من وجود المعارضة، بل دعا إلى وجود المعارضة كشريك أصيل في العملية السياسية من خلال امتلاك رؤية وبرامج عملية والمشاركة والحضور في الساحة السياسية بعيدا عن الشعارات الزائفة.
أعود في مقالتي هذه إلى خطاب أعتبره معلماً على خارطة طريق الإصلاح المنشود؛ جمع الملك الفعاليات الشعبية في بيت الأردنيين جميعاً وتحدّث إليهم بكل صراحة يوم الثالث والعشرين من أكتوبر عام ٢٠١٢ أي قبل خمس سنوات، وفي فترة كان الأردن يمر فيها بتحديّات وصخب سياسي. واليوم ننظر إلى ذلك الخطاب ونضعه بجانب حاضرنا للمقارنة وتحديد الموقع على خارطة الطريق. قبل خمس سنوات ذكر في الخطاب أن أبرز المطالب الشعبية تركّزت على تعزيز حق المواطنين في المشاركة الفاعلة في عملية صنع القرارات التي تؤثر عليهم وعلى مستقبلهم، واليوم نجد أنفسنا قد تقدمنا فعلاً على مر نصف العقد الماضي حيث طوّرت التشريعات وهيأت الدولة وأجهزتها لذلك، وها نحن اليوم نستعد لإضافة نوعية فيما يخص المشاركة في صنع القرار ألا وهي إنتخابات مجالس المحافظات. إذاً نحن على الطريق الصحيح والآن الكرة بملعب المواطن الذي أصبح مسؤولاً عن إختيار من يمثله في السلطة التشريعية ومجالس المحافظات ورئاسة ومجالس البلديات. ولا زالت دعوة الملك سارية للأحزاب والقوى السياسية أن من يريد إصلاحات إضافية وتطوير الأردن فليشارك من خلال صناديق الإقتراع. في نفس الخطاب طالب الملك القوى السياسية لبناء برامج إنتخابية لمدة أربع سنوات وطرح أمثلة لشؤون بحاجة إلى حلول منها البطالة والمديونية والإصلاح الضريبي وتطوير النظام الإنتخابي وتحديّات المياه والطاقة وتحسين الخدمات، وها نحن اليوم وقد أفرزت الإنتخابات النيابية مجلسين تشريعيين، ولا زلنا لم نر تواجدا برامجيا حقيقيا للقوى السياسية والأحزاب على الساحة، فلا زال الأغلب في مرحلة الشعارات ولم يتجاوزها وهو في الواقع ما يبطىء في عملية الإصلاح والتنمية.
في الأسبوع الماضي زار الملك مجلس الوزراء داعياً الجميع للإبتعاد عن التلكؤ والتأخير، مخاطباً إياهم مباشرة للحثّ على الإلتزام بمضمون كتاب التكليف السامي ومطمئناً للشعب أن هناك من يتابع أداء الحكومة ويضمن عدم الإنحراف عن طريق الإصلاح المحدد مسبقاً. هذه طبعاً ليست الزيارة الأولى ولا الأخيرة ولكن الفحوى أن هناك من يتابع أداء السلطة التنفيذية بمنهجية وبجدية ودقّة، وهنالك من يضمن حقوق الوطن والمواطن.
لغربان التشاؤم واللاعبين على العواطف والأجندات الخاصة ولمن سوّلت لهم أنفسهم التطاول على إنجاز الوطن، أنظروا بعين الواقعية وراجعوا ما قال الملك سابقاً وتذكّروا ما يقول اليوم ومعنّوا وقارنوا، إبنوا الأحكام من عين المنطق والواقع ومصلحة المواطن لا مصالحكم، وإتقوا الله بوطن ما ضاق صدره بجوركم يوماً!
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/06 الساعة 01:21