جرادات يكتب: نظرة تاريخية عن الدعاية السياسية
كان لاختراع الطباعة في القرن السادس عشر الاثر الكبير في انتشار الدعاية وتطورها فقد اصبحت المنشورات المطبوعة بكميات هائلة تسبق لقاء الجيوش في الحروب بين الشعوب وقد ظهرت الدعاية الوطنية من خلال الثورتين الفرنسية والامريكية في القرن الثامن عشر اما الدعاية (النابليونية) فقد ظهرت في القرن التاسع عشر حين استطاع نابليون استغلال الصحافة استغلالا كبيرا في اهدافه الدعائية فاحاطته الصحف بهالة من البطولة واعتبرته المحرر الاكبر ووصلت مطبوعاته الى جيوشه خارج فرنسا والى سكان البلدان التي فتحها.
وفي القرن العشرين ساهمت الدعاية الغربية الموجهة ضد النمسا والمجر في نشوب الحرب العالمية الاولى التي استغلها الحلفاء دعائيا في بناء راي عام مؤيد ومناصر لقضيتهم.
وما ان قدمت سنة 1919 حتى تصاعد الاهتمام بالدعاية واساليبها فاسست كل دولة عظمى هيئة معقدة لاستغلال الدعاية في صراعاتها الدولية باعتبارها سلاحا سياسيا هائلا وظاهرة جماهيرية لا تقهر.
ويعزو الباحثون انتصار دول الحلفاء على دور المحور الى حسن استغلالهم للدعاية وحكمتهم في استخدام اساليبها ومناهجها وعلى الرغم من ان ليس مقصورة على مجال معين دون غيره الا انه نيتجة لممارستها في الحربين الاولى والثانية صار ربطها بمجال السياسة الدولية مألوفا بين الناس.
ولقد كان ظهور الاذاعة واستخدامها في الدعاية الدولية ايذانا بتفكيك النظام الاتصالي والاعلامي الدولي الذي كانت الدول المركزية تسعى الى اعادة تشكيله وبنائه.
ففي عام 1935 بدات هيئة الاذاعة البريطانية تبث بلغات غير الانجليزية، وبدات تبث بالالمانية الى الشعب الالماني منذ عام 1938 وفي عام 1940 بدات محطة اذاعية سرية بتمويل بريطاني تبث مواد باللغه الالمانية داخل المانيا، وتبعتها محطات سرية اخرى، وفي عام 1936 استكملت شركة (ماركوني) البريطانية بناء 180 محطة بث اذاعي في 32 دولة، وفي عام 1935 بدات هيئة الاذاعة اليابانية بثها الدولي الى منشوريا وتايوان وكوريا، وفي عام 1941 كانت اليابان تبث بستة عشر لغة وصلت في عام 1943 الى اربع وعشرين لغة، اما الولايات المتحدة الامريكية فلم تدخل ميدان الحرب الاذاعية الا في اعقاب دخولها الحرب العالمية الثانية.
وقد تبلور التفكير العلمي وبحوث الدعاية والاقناع كثيرا خلال هذه الفترة وقدمت مداخل كثيرة للتطبيق وكلها دارت حول ادارة عقول وعواطف واتجاهات الافراد وتطرقت منذ ذلك الحين وعلى نحو عميق الى تزييف الوعي مستعينة بابحاث علمية، وقد طرحت مرحلة السلام واعادة البناء تساؤلات اخلاقية عن اهداف واساليب الدعاية التي مورست اثناء الحرب العالمية الاولى، وعن القصص المزيفة وعمليات التضليل وتشويه المعلومات ولكن اتفقت كل الاتجاهات على قوة وفعالية اساليب الاقناع الحديثة.
ان ترشيد نظام الاتصال والاعلام الدولي الذي تحقق تحت مظلة الامم المتحدة او في اطار المنظمات المعنية التابعة لها كان محدودا بصفة عامة، حيث ان متطلبات الوصول الى اتفاق دولي في قضايا الاتصال ظل يميل الى تغليب مصالح الدول الكبرى على غيرها، علاوة على ان هذه الاتفاقيات الدولية ذات تاثير محدود على الشركات عبر الوطنية العامة في مجالات الاتصال والاعلام، والتي اثبتت قدرتها على توظيف اوضاع الاتفاقيات الدولية لخدمة مصالحها الاقتصادية.
وفي اثناء الحرب الباردة هيمنت الدعاية والمواجهة الايديولوجية على الدبلوماسية، واستخدام وسائل الاتصال الدولية، وقد تجاهلت القوتان الاعظم تعقد نظم وسائل الاتصال ويرى ان البعض ان هذه المواجهة الايديولوجية قد عرقلت توسع المشروعات الاتصالية الامريكية في الخارج والمرتبطة بمفهوم العالمية.