فيل الدولة وحصان المعارضة
في البداية علينا ألا ننحو نحو التقليل من شأن أي طرف في المعادلة السياسية التي يجب عليها أن تكون في محور متحرك لا عمود ثابت، ومن هناك نبدأ عملية الفهم أو الإفهام للوصول الى مرحلة استكشاف ما الذي يريده المجتمع لا مجموعة فقط ترى أنها أكبر من المجتمع أو أذكى من غيرهم، ولذلك يسرع البعض منا الى التأشير فورا على تشكيل الحكومات وتوزير الوزراء، فمن لك معه صلة مودة ستغض البصر عن عيوبه ومن لا تعرفه ستبحث عن تفاصيل ماضيه لتتربص به عندما يحين الوقت، وننسى أن الحكومة بالمعنى المجازي هي حزب أيضا، وتعاني أحياناً من خلافات داخلية، ولهذا تُجرى التعديلات.
في المقابل نجد أن بلدنا لا يعاني من نقص في القامات يشار لها بالبنان، ولكن تاريخ بعيد جداً من إدخال أسماء لا علاقة لها بالمنصب الرسمي جعل البعض يحترسون في أفواههم على جملة اعتراضية مفادها: » ما لقيتوا أحسن من هذا ؟»، وأنا أدرك أن كثيراً من الشباب مريدي الزواج سيبحثون ويبحثون مجددا ويسألون عن الفتاة التي تليق بهم وكذلك الشابات اللواتي يرفضن من يتقدم لهم، وهذا يأخذ وقتاً طويلاً من البحث، فكيف بأحزاب تتشكل على عجلّ أو حكومات تتشكل في غضون أيام كما رأيناها قبل سنوات، لتجمع أصهاراً فيها، حتى أن أحد الرؤساء في العهد القديم جاء بأعضاء من جمعيته وزراءً في حكومته.
لهذا نرى اليوم حالة الانحباس السياسي، ليس في الحكومات وحسب بل حتى في الأحزاب التي جمعت يوماً ما حزبا أو اثنين لا يعمل بها سوى الأمين العام وحده، لهذا تفاقمت الأزمة السياسية حتى رأينا وزراء سابقون ينتقدون الدولة، ومتقاعدون أيضا، وهذا ليس حكرا عليهم بل ما هو أخطر اليوم أن طيفا واسعاً باتوا يجدون متعتهم في مناكفة السلطة وتشكيل جماعات رفض، وهنا لا أِشير الى الشباب المعُطلّ والذين يعانون من الفقر والآباء الذين لايستطيعون تدبير احتياجات عائلاتهم، ونحن منهم احياناً، بل بأولئك الذين تقاعدوا من مناصبهم ثم شحذوا ألسنتهم، فأين كانوا قبل ذلك.
اليوم يجب علينا أن نرى المعارضة الواعية بعين الرضا، والسبب أن المجتمع السياسي الأردني مختلف تماماً عن محيطنا العربي، وعلينا أن نقرّ بأن وجود المعارضة التي تؤشر على مواقع الخطأ دون تهديد ولا تخريب هي مصلحة ضرورية لتكافئ الموازين حتى وإن مالت الكفة للحكومة، فهناك من شخوص للمعارضة يجلسون على مقاعد النواب ومنهم من ينضمون الى الأحزاب ومنهم من يرى نفسه معارضاً فردياً، ولكنهم جميعا يعطوننا جرس إنذار كي نصحح مسار ما قد لا نراه، لأنهم أصحاب أدبيات سياسية محترمة لا شتامّين ولا مخربين.
فالحكومة، أي حكومة، تقود البلاد هنا هي أشبه بالأب الدائن والمدين، فالأب مضطر لأن يشحذ أصدقائه أو يقترض من البنوك ليعيل أبنائه ويغطي احتياجاتهم ويكتم سرّ ديونه ويتحمل الضغوطات من الدائنين حتى لا يجد أحد أبنائه مجرما أو لصاً في يوم ما، وهذا المثل ينطبق على حكوماتنا منذ سنين طويلة، ومن هنا علينا جميعاً أن نفهم أننا شركاء وإن كنا اليوم هنا فسنجد يوماً لن نكون فيه قادرين على التأثير لإطفاء الحرائق، ولكن المؤكد أن حزب الدولة غير المنصوص عليه هو الأقوى، ولو توقفت عجلة أي حكومة لدواع خارج الإرادة سنجد أنفسنا في ضياع لا نعلم مصيرنا ولا مستقبل أجيالنا القادمة.
وفي العودة للمعارضة على بساطتها، ولا أجد فيها رأس لها، فأغلبها تحاول إعادة انتاج تاريخي فيما المستقبل يفتح أبوابه لمتغيرات عالمية قد لا يكون لنا قبل عليها، وأما المحتجون على ارتفاع أسعار المواد بكافة تفاصيلها فهم جزء أصيل من المجتمع يريد إطعام عائلته وأن يمتلك سكناً، ويجد وظيفةً له، ولكن هناك من يريد دائما أن يركب ظهر الموجة، تماما كما يركب الخيّال ظهر حصان جامح، ولكن الدولة في المحصلّة تمتلك الفيلّ فهو الذي يحمل الأثقال وإن كان مشيه بطيئاً، وعليها أن تحافظ على عقلاء يؤشرون على الأخطاء وينصحون لخوفهم على هذا الوطن ممن يتربصون به.
هنا نحمد الله أن معارضتنا سلمية، ولكننا هنا ننحاز لأمن واستقرارالوطن، وكل ما يحدث من تظاهر يمكن حله بالتفاهمات لا بالمكاسرة، لهذا علينا أن نبحث عن الطريق الثالث للخروج الآمن للجميع.
Royal430@hotmail.com