إبداع الدينار الأردني الجديد

سلامة الدرعاوي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/28 الساعة 23:26
في الوقت الذي تناولت في وسائل إعلام إقليمية ومحلية، وعلى رأسها قناة الجزيرة الإصدار الجديد للدينار الأردني والتركيز فيه على الخطوط الأمنية والملامح الفنية المستوحاة من التراث والطبيعة المحلية، نجد المشهد الداخلي يتناول الموضوع بمزيد من السخرية والتشكيك بالإصدار.
أوصاف عدة أُطلقت على الإصدار الجديد، البعض تناول بسخرية عالية صورة الطائر الوردي الذي وضع على ظهر فئة الدينار، والتشكيك فيه رغم أنه رسمي هو أحد رموز المملكة، مثل زهرة السوسنة السوداء، وهذا منذ إعلانه من قبل المغفور له جلالة الملك الحسين في القرن الماضي في فترة إعلان محمية ضانا ووادي رم.
والنقد طال باستهزاء مكونات الإصدار، فالكثير أشاروا إلى الثورة العربية الكبرى بأن ملامحها الرئيسة اختفت باختفاء علمها بشكل مؤسف دون الإشارة إلى أن رمزية الثورة العربية الكبرى استمرت في فئة الدينار بحملها صورة الشريف الحسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى ملك العرب، لكن مع إعطاء عنصر حي من التاريخ الطبيعي لجنوب الأردن أرض الثورة العربية.
آخرون تحدثوا صراحة بأن صورة المسجد الأقصى انتزعت من فئة العشرين ديناراً، لكن دون أن يدققوا أو يراجعوا حتى الإصدار نفسه الذي أقره مجلس الوزراء في شهر أيلول الماضي وصدوره في الجريدة الرسمية، والذي تم تحديد كل أشكال فئات النقد الجديدة للعملة الوطنية، والتي فعلاً كشفت بأن صورة الحرم القدسي سوف تنتقل من ظهر فئة العشرين ديناراً إلى قلب فئة الخمسين ديناراً بجانب صورة الملك عبد الله الثاني، في رسالة سياسة واضحة للعالم بأن القدس ستبقى في قلوب وأعين الهاشميين.
البعض تحدث علناً بأن الإصدار الجديد هو مؤشر على تراجع الدينار في المستقبل، وهذا كلام أقرب للهراء والسخرية التي يحاول البعض الطعن بالمنجزات الاقتصادية الأردنية والتقليل منها قدر الإمكان والتشكيك فيها، وعلى رأسها الدينار القوي الذي حافظ عليه البنك المركزي والسعر الصرف الثابت منذ عام 1995، والذي كان بفعل السياسة الرشيدة والحصيفة للمركزي على مدى السنوات الماضية، والتي دعمت بشكل رئيسي الاستقرار النقدي والاقتصادي للمملكة بكل ثبات وبإشادة وشهادة علمية بهذا الأمر.
للعلم وفقاً للتجارب الدولية، فإنه يتم النظر في طرح إصدار جديد للأوراق النقدية لدولة معينة خلال فترة زمنية من (12-15) سنة، بحيث يتم مراعاة تطبيق أحدث المعايير المتبعة في مجال صناعة الأوراق النقدية من خلال تضمينها أحدث العلامات الأمنية وأجود أنواع الأوراق والأحبار الأمنية المستخدمة فيها.
الدول تراعي عند تصميم أوراق النقد بأن تعكس أبرز المعالم الحضارية والتاريخية والأصالة والحداثة، كما اتخذت العديد من الدول عملاتها وسيلة تستطيع من خلالها عكس رسالتها نحو عدد من القضايا التي تهم البشرية على سبيل المثال لا الحصر البيئة، والسياحة والحفاظ على الموارد الطبيعية، آخذة بعين الاعتبار وجود بعض المحددات في عالم طباعة الأوراق النقدية عند اختيار الصور التي يتم وضعها على الأوراق النقدية.
أما على مستوى البنك المركزي الأردني المسؤول عن إصدار الأوراق النقدية، فقد كان وما زال يراعى في إصدار الأوراق النقدية أن تتضمن أحدث العلامات الأمنية وأجود أنواع الخيوط والأحبار الأمنية الموضوعة على الأوراق النقدية وبحيث تتم طباعة هذه الأوراق لدى أفضل شركات الطباعة على مستوى العالم، وذلك للمحافظة على الثقة والأمان بالعملة الوطنية للمملكة الأردنية الهاشمية (الدينار الأردني).
البنك المركزي الأردني قام بطرح الإصدار الخامس من النقد الأردني، وذلك بعد مرور نحو 20 عاماً على طرح الإصدار الرابع من النقد الأردني في التداول، حيث ظهرت الحاجة إلى تطوير النقد الأردني من خلال طرح إصدار نقد جديد يتضمن أحدث العلامات الأمنية، وتحسين جودة ومكون الأوراق النقدية وإطالة عمرها في التداول ومواكبة التطور التقني الكبير في مجال طباعة النقد وتطور العلامات الأمنية، هذا بالإضافة إلى إضافة خصائص ملموسة باليد للمكفوفين وضعاف البصر.
بالعودة إلى نظام إصدار أوراق النقد الأردني رقم (55) لسنة 2022 الذي يبين المعالم الرئيسية الموضوعة على فئات الإصدار الخامس من النقد الأردني يظهر بشكل جلي إبراز قصة الدولة الأردنية واهتمامها بعدد من القضايا الوطنية كالاهتمام بالمقدسات الدينية والمعالم السياحية والتاريخية، من خلال وضع صور للحرم الشريف في القدس وأهم المساجد في المملكة، صور لمدينة البتراء الوردية، قصر عمرة والمدرج الروماني وزخارف العمارة الرومانية والبيزنطية والأموية، هذا بالإضافة إلى الاهتمام بالبيئة كصورة الطائر الوطني للمملكة الأردنية الهاشمية (العصفور الوردي) وبعض النباتات البرية.
أخيراً، التصميم الجديد في الإصدار النقدي الأخير والمعلن يحتفل بالتاريخ الطبيعي لأرض المملكة من نبات وحيوان، والفكرة هنا هي التوعية لأهمية البيئة والطبيعة.
التاريخ مهم لترسيخ الجذور المتينة، لكل الطبيعة الأردنية الحية، وتذكرنا بالمسؤولية تجاه المحافظة على ما هو حي ونادر وجميل في طبيعة المملكة، وفيه رسالة سياسية عالية حول القدس ومكانتها في السياسة الوطنية، لذلك الإصدار الجديد المصمم بأيد أردنية فيه لمسة إبداع وحداثة وعراقة مستوحاة من التراث المحلي.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/28 الساعة 23:26