هندسة المرور

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/27 الساعة 00:54
متى تم اكتشاف الأرصفة؟ لا أعرف أبدا من الذي اكتشف فكرة الرصيف, ولا أعرف هل هي مرتبطة بصناعة السيارات, أم مرتبطة بتطور علم الهندسة ورصف الطرق.. لقد حاولت أن ابحث في (جوجل) عن تاريخ هذه الهندسة ولكني لم أجد شيئا, قرأت عن طرق بريطانيا وزمن العربات التي تجرها الخيل... وكيف أن الطرق هناك كانت مشتركة, يمشي عليها الناس وتجوبها العربات.
في النهاية الرصيف للمشاة, والشارع للسيارات... هذا ما نفهمه في هندسة المدن, ونعرف أن الغاية من الأرصفة هي الفصل بين حركة المشاة, وحركة السيارات.. وحماية الناس أيضا من الدهس... في الأردن الصورة مختلفة تماما, فالمشهد السياسي لدينا وبالتحديد في جانب المعارضة يعتبر أن الشارع للمشاة والدولة لها الرصيف.
المعارضة لدينا تمثل الهندسة المعكوسة تماما, فهي تتحدث نيابة عن الدولة.. بمعنى أنها تنظر لنفسها على أنها الدولة, ولها الحق في امتلاك كامل الشارع, وعلى الدولة بمؤسساتها.. وأجهزتها ونظامها السياسي أن تبقى على الرصيف.. المعارضة أحيانا تؤمن أن الإشارات يجب أن توضع على الأرصفة وليس على الطرقات..
أنا لا أريد اتهام المعارضة, ولكن الدولة بحكوماتها ومؤسساتها ومواردها.. تشبه إلى حد بعيد شاحنة بزنة (40) طنا وبعجلات ضخمة, وبمكابح وضوابط, وأضواء.. والمعارضة بحذاء نمرته (40).. وبزنة لا تتجاوز (80) كيلو غراما.. وهنا نسأل أيهما الأولى بالشارع الشاحنة.. أم الشخص العادي؟
حين نفهم الغاية من الرصيف والغاية من الشارع حتما سنفهم أدوار الدولة وأدوار المعارضة, حتما سنفهم معنى أن لاينظر أحد لنفسه على أنه أكبر من الدولة, حتما سنفهم.. معنى المسير المنضبط ومعنى المسير بعكس الشارع, وحتما سنفهم معنى أن الخروج عن الضوابط في الهندسة السياسية يشبه الخروج عن ضوابط هندسة المدن.. فأنت إن قررت أن الشارع ملكك حتما ستدهس..والشاحنة هي الأخرى إن قررت أنها تريد الرصيف والشارع معا, حتما ستتسبب في الكارثة.
الحياة أدوار, الدولة لها دور.. والمعارضة لها دور , ومشكلتنا أحيانا.. أننا كمعارضة, ننظر للدولة دائما في اطار الاتهام والجريمة.. في اطار سيارة دهست مجموعة وهربت.. وننظر إلى المساحات الموجودة باعتبارها لنا جميعها..
الأردن يحتاج إلى الاستفادة من هندسة الطرق, واسقاطها على السياسة.. فالسياسة هي الأخرى هندسة, وتحتاج لعقل يدير المشهد لا بل يعيد تنظيمه...
بالنسبة لي وبالنسبة للأغلبية، فنحن للأسف لا نملك الرصيف ولا نملك الشارع.. نملك الحائط فقط وها نحن نسير (الحيط بالحيط).. والمشكلة أن حتى الحائط يحسدوننا عليه.
abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/27 الساعة 00:54