الوجه الآخر للحلول الاقتصادية
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/25 الساعة 01:04
لا يحتاج الاقتصاد الأردنيّ لذلك التشخيص العميق لمشاكله وتحدّياته، فهي واضحة وضوح الشمس، والحلول أيضاً واضحة هي الأخرى، ولا تحتاج إلى ذلك التفكير بقدر ما هي بحاجة لإرادة تنفيذيّة حقيقيّة حازمة.
لكن علينا قبل الحديث عن الحلول أن نعرف لماذا اقتصادنا وصل إلى هذا الوضع المتشابك والمعقّد، فالأمر ليس كما يتصوّره البعض بأنّه وليد اللحظة أو قرار معيّن، بقدر ما هو عمليّة تراكميّة أوصلتنا إلى هذا المشهد المحلّيّ الصعب.
الأردنّ دولة تعتمد على المساعدات تاريخيّاً، وتلك المساعدات شكّلت جزءاً أساسيّاً في سلوكها الإنفاقي، ولا نبالغ إن قلنا إنّ هذه المساعدات هي من خلق وطور القطاع العامّ، وكانت تشمل في بعض الفترات الزمنيّة الكثير من الإيرادات المحلّيّة، وفي حال تراجعها فإن الأزمات تتلاحق على الاقتصاد كما حدث في عام 1989.
ثقافة العمل المهنيّ والّتي تراجعت إلى حدّ بعيد في المجتمع خلال العقود القليلة الماضية أدّت لدخول أكثر من مليون عامل وافد، لدرجة أنّ الاقتصاد الوطنيّ بات يعتمد عليهم بشكل أساسيّ في عمليّات الإنتاج، بالتزامن مع غياب عمليّة تربويّة مهنيّة لتعزيز ثقافة العمل للطلبة الّذين انخرطوا في التخصصات الجامعيّة الّتي باتت غالبيّتها خارج احتياجات سوق العمل الدراسي، وها هو اليوم، 156 ألف خرّيج يدخلون سوق العمل سنويّاً، منهم 88 ألف خرّيج جامعيّ لا يجدون فرص عمل في القطاع العامّ ولا الخاصّ ولا حتّى السفر للخارج، فجميع دول المنطقة بلا استثناء تعمل على توطين أبنائها في الأعمال بدلاً من الوافدين وبشكل تدريجيّ.
غياب مظاهر سيادة القانون بأشكالها المختلفة، وتزايد انتشار مظاهر الفساد الإداريّ من الواسطة والمحسوبيّة وفقدان النزاهة في التعيينات المختلفة، أدّت لفقدان الثقة بخطاب الدولة الإصلاحيّ من جهة، واستلام موظّفين تساقطوا بالبراشوت على جهاز الدولة الإداريّ لمفاصل العمليّة الإداريّة الرسميّة، وهنا تعاظمت مشكلة الإصلاح الحقيقيّ، فالجهاز الإداريّ في القطاع العامّ لم يعد كما كان في السابق، فغياب المحاسبة والتقييم والمساءلة أدى لتراجع مستوى الخدمات في القطاع العامّ، ناهيك عن المقاومة السرّيّة للعمليّة الإصلاحيّة.
طبعاً الحلول ليست صعبة في الاقتصاد الأردنيّ، هي معروفة باتت، لكنّ نتيجة التأخّر في عمليّات الإصلاح، وعدم اتّخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب باتت الحلول مكلّفة جدّاً ولها تداعيات خطيرة في حال اتّخاذها، فعمليّات إعادة الهيكلة للقطاع العامّ تعني في أولى خطواتها أن يتمّ الاستغناء عن العاملين والّذين لا يملكون الكفاءة، وهذا أمر مستحيل، لأنّه يعني زيادة معدّلات البطالة، وإلغاء الدعم عن السلع هو قرار اقتصاديّ سليم، لكن تطبيقه له تداعيات اجتماعيّة سلبيّة، لأنّ غالبيّة فئات المجتمع لا تثق بالخطاب الحكوميّ والإجراءات الرسميّة في هذا الشأن، وإذا ألغت الحكومة ضريبة المبيعات أو الدخان فإنّ المشهد سيكون كارثيّاً على إيرادات الخزينة حينها لن تقوى على تلبية نفقات الحكومة الأساسيّة ومنها الرواتب وخدمة الدين، وإذا استجابت الحكومة لبعض المطالب بزيادة الرواتب أو الدعم فإنّ ذلك يعني زيادة العجز والمديونيّة.
فعلاً تشابكات خطيرة لأيّ خطوة إصلاحيّة في المشهد الاقتصاديّ، فكلّ حلّ له وجه مخبّأ من التحدّيات، لكن هل بتنا لدرجة الاستحالة في مواجهة التحدّيات وعاجزين عن المبادرة في اتّخاذ القرارات السليمة؟.
بإمكان الحكومة السير في عمليّة إصلاحيّة تدريجيّة، على المديّين المتوسّط والبعيد، أمّا الحلول السريعة فهي مكلّفة جدّاً ولها تداعيات خطيرة، ولتبدأ الحكومة ببرنامج إصلاحيّ على عدّة محاور، أهمّها تعزيز مظاهر سيادة القانون في الدولة على كافّة المستويات من تعيينات وتحصيل حقوق وغيرها من الأمور الأساسيّة الّتي باتت بعض أشكالها لها انطباعات سلبيّة في المجتمع.
لتبدأ الحكومة في تحسين الخدمات المقدّمة للمواطنين، وتعزيز مبدأ المحاسبة والتقييم لمقدمي الخدمة الرسميّة للجمهور، فالمباني موجودة من مستشفيات ومدارس ومرافق مختلفة، لا يحتاج الأردنّ حاليّاً إلى بناء المزيد منها بقدر ما هو بحاجة لتطوير العمليّة الإداريّة لخريطة الخدمات الّتي تقدّمها للمواطنين والقطاع الخاصّ على حدّ سواء.
والأهم، تعزيز إدارة المسؤول الحكوميّ في اتّخاذ القرار الجريء وإخراجه من حالة الرعب من اتّخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب خوفاً من “بعبع” الفساد الوهميّ الّذي يعيش في عقول غالبيّة فئات المجتمع.
ومدّ يد التطوير والعون للقطاع الخاصّ وإزالة كافّة العقبات الّتي تحول دون تطوير أعماله واستمراريّة مشاريعه سيكون كفيلاً بمساعدة الدولة والحكومة على النهوض بالعمليّة التنمويّة وزيادة التشغيل وبالتالي محاربة فعليّة للبطالة.
الخطوات السابقة في حال السير بها بشكل واضح سيكون لها مفعول إيجابيّ عال تجاه تعزيز الثقة بخطوات الإصلاح الحكوميّ، وستكون لبنة أساسيّة في إعادة بناء هذا الجدار المشروخ.
لكن علينا قبل الحديث عن الحلول أن نعرف لماذا اقتصادنا وصل إلى هذا الوضع المتشابك والمعقّد، فالأمر ليس كما يتصوّره البعض بأنّه وليد اللحظة أو قرار معيّن، بقدر ما هو عمليّة تراكميّة أوصلتنا إلى هذا المشهد المحلّيّ الصعب.
الأردنّ دولة تعتمد على المساعدات تاريخيّاً، وتلك المساعدات شكّلت جزءاً أساسيّاً في سلوكها الإنفاقي، ولا نبالغ إن قلنا إنّ هذه المساعدات هي من خلق وطور القطاع العامّ، وكانت تشمل في بعض الفترات الزمنيّة الكثير من الإيرادات المحلّيّة، وفي حال تراجعها فإن الأزمات تتلاحق على الاقتصاد كما حدث في عام 1989.
ثقافة العمل المهنيّ والّتي تراجعت إلى حدّ بعيد في المجتمع خلال العقود القليلة الماضية أدّت لدخول أكثر من مليون عامل وافد، لدرجة أنّ الاقتصاد الوطنيّ بات يعتمد عليهم بشكل أساسيّ في عمليّات الإنتاج، بالتزامن مع غياب عمليّة تربويّة مهنيّة لتعزيز ثقافة العمل للطلبة الّذين انخرطوا في التخصصات الجامعيّة الّتي باتت غالبيّتها خارج احتياجات سوق العمل الدراسي، وها هو اليوم، 156 ألف خرّيج يدخلون سوق العمل سنويّاً، منهم 88 ألف خرّيج جامعيّ لا يجدون فرص عمل في القطاع العامّ ولا الخاصّ ولا حتّى السفر للخارج، فجميع دول المنطقة بلا استثناء تعمل على توطين أبنائها في الأعمال بدلاً من الوافدين وبشكل تدريجيّ.
غياب مظاهر سيادة القانون بأشكالها المختلفة، وتزايد انتشار مظاهر الفساد الإداريّ من الواسطة والمحسوبيّة وفقدان النزاهة في التعيينات المختلفة، أدّت لفقدان الثقة بخطاب الدولة الإصلاحيّ من جهة، واستلام موظّفين تساقطوا بالبراشوت على جهاز الدولة الإداريّ لمفاصل العمليّة الإداريّة الرسميّة، وهنا تعاظمت مشكلة الإصلاح الحقيقيّ، فالجهاز الإداريّ في القطاع العامّ لم يعد كما كان في السابق، فغياب المحاسبة والتقييم والمساءلة أدى لتراجع مستوى الخدمات في القطاع العامّ، ناهيك عن المقاومة السرّيّة للعمليّة الإصلاحيّة.
طبعاً الحلول ليست صعبة في الاقتصاد الأردنيّ، هي معروفة باتت، لكنّ نتيجة التأخّر في عمليّات الإصلاح، وعدم اتّخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب باتت الحلول مكلّفة جدّاً ولها تداعيات خطيرة في حال اتّخاذها، فعمليّات إعادة الهيكلة للقطاع العامّ تعني في أولى خطواتها أن يتمّ الاستغناء عن العاملين والّذين لا يملكون الكفاءة، وهذا أمر مستحيل، لأنّه يعني زيادة معدّلات البطالة، وإلغاء الدعم عن السلع هو قرار اقتصاديّ سليم، لكن تطبيقه له تداعيات اجتماعيّة سلبيّة، لأنّ غالبيّة فئات المجتمع لا تثق بالخطاب الحكوميّ والإجراءات الرسميّة في هذا الشأن، وإذا ألغت الحكومة ضريبة المبيعات أو الدخان فإنّ المشهد سيكون كارثيّاً على إيرادات الخزينة حينها لن تقوى على تلبية نفقات الحكومة الأساسيّة ومنها الرواتب وخدمة الدين، وإذا استجابت الحكومة لبعض المطالب بزيادة الرواتب أو الدعم فإنّ ذلك يعني زيادة العجز والمديونيّة.
فعلاً تشابكات خطيرة لأيّ خطوة إصلاحيّة في المشهد الاقتصاديّ، فكلّ حلّ له وجه مخبّأ من التحدّيات، لكن هل بتنا لدرجة الاستحالة في مواجهة التحدّيات وعاجزين عن المبادرة في اتّخاذ القرارات السليمة؟.
بإمكان الحكومة السير في عمليّة إصلاحيّة تدريجيّة، على المديّين المتوسّط والبعيد، أمّا الحلول السريعة فهي مكلّفة جدّاً ولها تداعيات خطيرة، ولتبدأ الحكومة ببرنامج إصلاحيّ على عدّة محاور، أهمّها تعزيز مظاهر سيادة القانون في الدولة على كافّة المستويات من تعيينات وتحصيل حقوق وغيرها من الأمور الأساسيّة الّتي باتت بعض أشكالها لها انطباعات سلبيّة في المجتمع.
لتبدأ الحكومة في تحسين الخدمات المقدّمة للمواطنين، وتعزيز مبدأ المحاسبة والتقييم لمقدمي الخدمة الرسميّة للجمهور، فالمباني موجودة من مستشفيات ومدارس ومرافق مختلفة، لا يحتاج الأردنّ حاليّاً إلى بناء المزيد منها بقدر ما هو بحاجة لتطوير العمليّة الإداريّة لخريطة الخدمات الّتي تقدّمها للمواطنين والقطاع الخاصّ على حدّ سواء.
والأهم، تعزيز إدارة المسؤول الحكوميّ في اتّخاذ القرار الجريء وإخراجه من حالة الرعب من اتّخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب خوفاً من “بعبع” الفساد الوهميّ الّذي يعيش في عقول غالبيّة فئات المجتمع.
ومدّ يد التطوير والعون للقطاع الخاصّ وإزالة كافّة العقبات الّتي تحول دون تطوير أعماله واستمراريّة مشاريعه سيكون كفيلاً بمساعدة الدولة والحكومة على النهوض بالعمليّة التنمويّة وزيادة التشغيل وبالتالي محاربة فعليّة للبطالة.
الخطوات السابقة في حال السير بها بشكل واضح سيكون لها مفعول إيجابيّ عال تجاه تعزيز الثقة بخطوات الإصلاح الحكوميّ، وستكون لبنة أساسيّة في إعادة بناء هذا الجدار المشروخ.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/25 الساعة 01:04