رشا عواد تكتب: الدماغ الإعلامي والمرأة
يعد مجال دراسات المرأة والإعلام واحداً من المجالات البحثية التي حظيت باهتمام الباحثين من مختلف مدارس البحث الإعلامي محلًّيا وإقليمًّيا وعالمًّيا، ويرجع هذا الاهتمام إلى طبيعة الموضوع المتعلق بقضايا وأدوار المرأة داخل المجتمع، حيث تحتل قضايا المرأة موقعاً متقدماً على قائمة أولويات القضايا المجتمعية في الكثير من الدول- خصو ًصا- تلك الدول التي لا تزال تعاني فيها المرأة من تمييز مادي ومعنوي، وهو ما يفرض على وسائل الإعلام القيام بدور فاعل للإسهام في معالجة قضاياها، وتحسين أوضاعها، والعمل على تمكينها بشكل أكبر داخل المجتمع، فوسائل الإعلام بما تطرحه من صور ورؤى وتوجهات تؤثر في تطوير وتحسين أوضاع المرأة داخل المجتمع في حال قدمت طرحاً ايجابياً ًّ موضوعياً ، أو على العكس من ذلك في حال كان طرحها سلبياً متحيزاً، وهو ما ينعكس بالتبعية على عمليات التنمية بشكل خاص، والنضج الثقافي والفكري داخل المجتمع بشكل عام.
فقد أدى التطـور الهائـل فـي شـتى میـادین الحیـاة إلـى تحـولات كبیـرة فـي الأنمـاط المعیشـیة، ولضـرورة دور القنـوات التلفزيونية كوســـیلة اتصـــالات هامـــة وتطـــور تقنیاتهـــا، بالإضـــافة إلـــى انتشـــار القنـــوات والفضـــائیات فـــي وقتنـــا الراهن، أدت إلى ظهور المنافسة الشدیدة فیما بینها للوصول إلـى المشـاهدین مـن جمهورهـا بمختلـف شـ ارئحهم.
وتأسیساً على ما سبق فإن البرامج التلفزیونیة وموضوعاتها قد تـؤثر فـي تكـوین اتجاهـات المرأة والتـي قـد یـؤدي إلى إحداث الفروق الفردیة لـدى طبیعـة حیـاة المرأة بالإضـافة إلـى وجـود احتمالیـة تـأثر المـرأة الأردنیـة بمـا یـتم عرضه مـن بـرامج متنوعـة ومختلفـة تعـرض مـن خلال شاشات التلفزيون والاعلام المرئي والمسموع
اذ تعد المرأة عنصراً أساسـيا في تحقيـق أهـداف التنمية، ومسـاهمة فاعـلة في تطـور مجتمعاتها وقـد بُذلـت جهـود كثـرة لتمكـن المـرأة العربيـة مـن النهـوض في كافـة المجـالات، إلا أن هـذه الجهـود الحثيثـة والرغبـة الملحـة في تأهيـل الأدوار الاجتماعيـة للنسـاء، لم يواكبهـا تطـور مـواز في الخطـاب الاعلامي الـذي ظـل في جـزء كبير منـه عاجزاً عـن مواكبـة هـذه المتغيرات، حيـث مـا زالـت وسـائل الإعـام تنقـل خطابـات تكـرس النظـرة الدونيـة للمـرأة، وتحصرهـا في أدوار نمطيـة سـلبية أو تقليديـة جامـدة لا تراعـي المكانـة التـي تحتلهـا النسـاء في المجتمـع، ولا تعكـس الـدور المنـوط بهـا كفاعلـة أساسية وشريكـة في التنميـة.
ويشـكل الاعلام أداة فعالـة نحـو التغيـر، حيـث يسـاهم بشـكل مؤثـر في تغيـر السـلوكات والمعتقـدات المجتمعيـة والإنسـاني، ويعمـل على نشر الوعي وتعزيـز القيم وتصحيح المفاهيـم أو تغليط الرؤى السـائدة، وذلـك مـن خـال اختراقـه كل البيـوت وكل الحـدود الجغرافيـة، واسـتهدافه جميـع الفئـات الاجتماعية.
كـما أن للاعلام دوراً محورياً، باعتبـاره يشـكل خيطاً ناظماً ووسيطاً اساسياً في عمليـات التغيـر التـي تسـتهدف تحسـن أوضـاع النسـاء في المجتمـع بوجـه عـام، فإضافـة إلى دوره التواصـي والإخبـاري، لـه أدوار أخـرى تربويـة وتحسيسـية وتثقيفيـة يعمـل في إطارهـا عـلى تشـكيل الأفـكار والصـور الذهنيـة، وأيضـا اتجاهـات واهتمامـات الـرأي العـام. لكـن هـذا الـدور الخطـر للإعـام مرهـون بضمـر وكفـاءة ودرجـة وعـي الجهـة المرفـة، والمسؤولين عـن الخـط التحريـري للوسـائط الإعاميـة غيرها مـن
مصـادر المعلومـات.
ويبقـى السـؤال المركـزي الـذي كان، ولا يـزال، يحـرك الجهـود الفكرية والاجتماعيـة والسياسـية المتعلقة بالمــرأة والاعلام، والــذي يتعلــق أساســا بطبيعــة المخرجــات الاعلامية التــي تقــدم المــرأة في إطــار سـلبي، ويـدور في معظمـه حـول العوامـل والمتغيرات التـي تقـود لبنـاء تلـك المخرجـات وتلـك الصـور السـلبية، وكيفيـة تصحيحهـا وتقويمهـا. ويقـع الرهـان في هـذه العمليـة بالأسـاس عـلى تغيـر الثقافـة والإدراك وتغيـر السياسـات، وأيضـا عـلى دعـم معـارف الاعلاميات والاعلاميين، وبنـاء وعيهـم بقضايـا المرأة، وبأهميـة مضمـون الرسـالة الإعاميـة.
لقـد كانـت المـرأة العربيـة شريكـة أساسـية في صنـع الثـورات، وفي النضـال ضـد الفسـاد، ومـن أجـل الديمقراطيـة. لكـن، ومـع الأسـف، هنـاك تغييـب ممنهـج عـن المشـهد السـياسي والإعامـي، حيـث لم يتغـر وضـع المـرأة العربيـة في الإعـام بعـد الثـورات، لأن العقليـات لم تتغـر، ونفـس النظـرة النمطيـة وفكـر التهميـش والإقصـاء لا يـزال حـاضرا، فبعـد أن شـاركت المـرأة وناضلـت لأجـل حمايـة الثـورات العربيـة، غابـت بشـكل ملحـوظ واسـتبعدت عـلى كل المسـتويات، فنحن الآن بتنا نلاحظ غياب الحضور النسائي ونؤكد ان الاعلام غير منصف في طرح قضايا المرأة ومقصر في تقديم صورة إيجابية تعكس الأدوار الحقيقية للنساء.