اسحبوا الفيش
أفتتح مقالة اليوم مرة أخرى بالدعاء لله أن يرحم ويغفر لشهدائنا من الجهاز الأمني الذين ارتقوا مدافعين عن أمن الوطن والمواطنين في معان، وحسبهم أنهم شهداء الواجب الوطني، حيث أنهم يقومون بواجبهم عندما انضموا الى جهازهم الأمني مقسمين على حياة كل من دب على هذه الأرض، ولم يعلموا، هم أو غيرهم، أن قدر الله لا مفرّ منه.
ولكن لو تمحصنا في نتائج أي عملية أمنية تستهدف مطلوبين لوجدنا الكثير من المطلوبين بناءً على شكاوى عادية أو اعتقالات للبعض الآخر لا تحتاج الى قوة غير طبيعية، بل إن أي معتقل لا تتعدى أيامه أو ساعات اعتقاله بأكثر من يوم أو أيام دون عنف ولا مواجهة مسلحة مع أفراد الأمن، وقد خبُرنا العديد من تلك المواجهات في الشارع، ولم يستدع الأمر أكثر من إطلاق غاز تقابلها حجارة المواجهة، أما ما جرى خلال أربعة أيام مضت فهي خلايا نائمة متأهبة للقتل.
ذكرت في مقالتي يوم الأحد أن هناك من يريد جرنا الى حرب داخلية، وهذا الأمر سيذهب بنا بعيداً عن المألوف المجتمعي، وإن كان هناك من يدعمون استقرار الأمور في الأردن واستتباب الأمن وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فسيقابلهم بلا شك فئة تنتظر الفوضى الأمنية، وإحالة المشهد لمسرح جرائم لا داعٍي لها، وتصوير قوات الأمن على أنها قوة احتلال غاصبة، وكثير ممن لا يقيمون وزناً لحالة الحنق التي يشهدها المجتمع التي تستدعي تبريد الساحة وإعادة الأمور الى الوضع الطبيعي، يدركون أنهم على مقاعد المشاهدين ينتظرون إحماء الوطن تحت نار لاذعة كي يرقصوا على الجثث، ولكن خاب فألهم.
اليوم علينا جميعاً تبريد الساحة السياسية، وسرعة إعادة الأمور الى الوضع الطبيعي، وهنا نحتاج الى عقل مدبر وشخصيات تستطيع أن تمتص غضب الشارع، وتشرح لمن لا يريد أن يفهم أن الشرّ من شرارة، والنار تنشب من تحت رمادها، فهل كانت حفنة دنانير توزن بأرواح شهداء ستة حتى الآن، وينتظرهم أطفال وزوجات وعائلات وأحباب، ليقتلوا على يد قتلة إرهابيين مهما كانت صفتهم أو تصنيفهم، ومتى كانت تعاليم الإسلام السمحة تعطي رخصة القتل لصائل متدثر بعباءة الدين كي يقتل رجل أمن آمن بحماية مجتمعه، ولو أنهم آمنوا حقيقة بدينهم لعرفوا كيف قُتل ?لخليفة عثمان بن عفان على يد أرذال، وهو يمنع عصبته أن يتدخلوا لينقذوه كي لا تكون فتنة، ولكنها حدثت.
إن من واجب الكثير من المؤسسات المالية والشركات الكبرى أن تمد اليوم يد المساعدة لتدبير صفقة براءة وطنية مالية تساعد الحكومة كي توفر مطالبات المحتجين على رفع سعر الوقود، فهناك من المؤسسات المالية تطاولت أرباحها خلال ثلاثة سنوات بما لم تحلم به من قبل، ولو تم افتتاح صندوق دعم لأزاح الغُمة التي لفت بلدنا، وإن كان هناك من يظن أن القضية تعلقت بالمضربين فقط فهو لا يدرك معنى الخوف الذي أصبح يتسلل الى قلوب الكثير من الناس، خصوصا عندما تكون الأمور مضطربة وتجرّ اعتداءات غاشمة، أو إغلاقات لشوارع عامة ومحال تجارية بغية ?يّ الأذرع.
للأسف ما رأيناه خلال أسبوعين وأكثر، يثبت أننا لم نتعلم من دروس الماضي وكأننا لم نتهيأ بعد لإدارة الأزمات وتوقع المشكلات المستقبلية، فإذا استطعنا أن نخرج من هذه الورطة سريعا، فهل سنتعلم كيف نعالج الأمور قبل تهديدها لنا مرة أخرى في مستقبل قادم، ومع أن الجميع يدرك أن العالم كله، ونحن لسنا استثناءً، بات يعاني غلاء الأسعار وازدياد معدلات التضخم وشح السيولة وانقطاع سلاسل التوريد العالمي نتيجة للأزمات والحروب والنزاعات والمغالبة بين دول الغرب ودول الشرق العظمى، وفي النهاية نحن لا نزال في ذيل قائمة الدول النامية.
وفي النهاية يبقى السؤال الملّح بعيدا عن الإجراءات الحكومية، لو خيرنا ما بين الصبر على الفقر أو انهيار الأمن، لا قدر الله، فماذا نختار؟ في المقابل سيقول البعض السبب في الحكومة، حسناً، وهل رحيل أي حكومة والإتيان بغيرها سيغير الحال وستجري أنهار العسل؟ لهذا يجب على مكونات الدولة جميعها إعادة النظر في تدخل سريع لسحب الفيش، وزرع الثقة مجددا برواية متماسكة ورؤية قريبة للخروج من الأزمة، كما خرجنا بها على مدار أربعين عاما أو أكثر.. فمن سيفعل؟!
Royal430@hotmail.com