صِنَاعَةُ المَعْرِفَةِ بالّلغة العَرَبيّة

د. عماد الخطيب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/18 الساعة 16:15

دخلنا (عصر المعرفة)، وإن كنا ما زلنا في مرحلة البدايات، ولكنّنا سنتطوّر بسرعة، وشيئا فشيئا سنصل إلى (عصر الحكمة)، ولن يكون ذاك بعيدًا، بل في المستقبل القريب، بمعنى "استخدام المعرفة لما فيه مصلحة الإنسانيّة".

وتعدّ صناعة الفرد للمعرفة المرحلة الأولى في إيجاد (مجتمعه المعرفيّ)، فالفرد الصّانع للمعرفة في مجتمع المعرفة: شريانان للقلب نفسه؛ فعامل المعرفة يُنَمّي عمله المهنيّ، في البحث عن الأفكار والمعلومات، ويهتمّ بما يخاطب العقل؛ لأنه المعيار الأهم لإنتاج الأعمال، وقياس الإنجاز.

وما أقصده بالمعرفة هو "الطريقة التي يستبدل بها البشر، من خلال تمازج بين اختراع (تكنولوجي)، ومعرفة مكتسبة من تخصّصات مختلفة، قوّة العضلات البشريّة، ومنها دماغ البشر، بتقنية ابتكاريّة"

وأين الّلغة العربيّة من كلّ هذا؟

إنّها في استخدام تلك (التّقنية الابتكاريّة) التي هي "مزيج اختراع تكنولوجيّ/معرفيّ في صناعة المعلومة، ثم نشرها، ثم تحويلها إلى منتَج، ثم إلى ثروة؛ لأنّ (صانع المعرفة) هو صانع ثروة، ولا يتمّ هذا دون الشّريان الثّاني، وأعني (مصنع المعرفة).

لقد أجرت بعض المصانع تعديلًا جوهريّا في سياساتها التّصنيعيّة؛ بمشاركة موظّفيها في صنع القرار، وابتكار الحلول، ورفع كفاءة الإنتاج، مما جعل صانعوها أكثر إدراكًا لـ (دورهم المعرفيّ): فازدادوا حماسًا، وتحرّروا من (الرّوتين)، وارتفع مستوى المُنتَج في المصنع... وازدادت المبيعات.

وهل هذا ما يجري مع اللغة العربية؟ هل ثمة حماس لتعلّمها، وتعليمها؟ وهل تحرّرنا من (الرّوتين) في تعليمنا لها، وهل ارتفع مستوى منتجنا العربيّ عالميًّا؟ وهل ازدادت مبيعاتنا في منتجنا العربيّ؟

تستند (مجتمعات المعرفة) إلى تدريبٍ كافٍ؛ يكفل لها أن تدير نفسها، وفقًا لما تمتلكه من خبراتٍ معرفيّة، ولا يوجد في الدّنيا لغة تمتلك تلك الخبرة المعرفيّة، مثل لغتنا العربيّة؛ بفضل تاريخها الحضاريّ العريق.

وهكذا.. علينا أن نقيس فاعليّة إدارتنا للغتنا العربيّة، من خلال حجم إنتاجنا بها، وهذا يكون إذا أحسنّا الحديث عن معارفنا بالّلغة العربيّة، ووظفنا ما أمكننا منها في حياتنا العملية والعلمية، وأتقّنا التحليل بها، واستخلصنا المفيد منها، وأصبحنا قادرين على استحداث ثروة معرفيّة/معلوماتيّة (عربية المنشأ)؛ لتسهم في مجتمعات المعرفة القابلة للتّعايش، والتّطوّر، ولن يكون ذلك كذاك إلا إذا حفظنا معارفنا التّاريخية/التّراثيّة الزّاخرة في بيئات (رقميّة)، ثم أعدنا تحليل بعضها؛ ليتناسب مع متطلّبات عصر محيطنا العربيّ الذي لا يعني العرب فقط، بل كلّ من يتكلّم العربيّة، ونتحوّل من (أُمّة مُنتجة) للمعرفة بالّلغة العربيّة، إلى (أمّة مُصدَّرة) للمعرفة بالّلغة العربيّة.

فإلى أي مدى تُضْبط مؤشّرات مجتمعاتنا العربيّة نحو (بوصلة المعرفة بالّلغة العربيّة)؟

لا يختصّ (مجتمع المعرفة المتطوّر) في مجالٍ دون آخر؛ فتطوّره شامل، ومن مميزاته القدرة على المنافسة، والقابلية للتّطويع، ويعمل على تحقيق ذلك ثلاثة خبراء مميزين هم المؤلّفون وهم محور (عملية الإنتاج المعرفيّ)، وعلماء الأدب العربيّ والاجتماع والتّاريخ، وهم خبراء (الأصول المعرفيّة)، والمخترعون/المبتكرون، وهم خبراء (صناعة الاستثمار الرّقميّ/التّكنولوجيّ).

وأخيرًا..

فلقد آن الأوان لنتميّز في (صناعتنا المعرفيّة العربيّة)، فليست المسألة بكثرة الكتب والدّواوين والرّوايات! بل بتمثّلنا لنهج (صانعي المعرفة) الذي يمتلكون خصائص (العامل المعرفيّ) بامتياز، وهي حبّ ما ينشغلون به حبًّا حقيقيًّا ويقاس ذلك بقيمة ما صنعوا ليُطوّر عليه الأجيال من بعدهم، تمامًا كما زلنا نقول (حكم الشاعر المتنبي)، ثم الشّغف في استكشاف مزيد من أهمية صناعة المحتوى العربيّ، وهذا يتمثل في ديمومة البحث والقراءة في المنتج العربيّ، ثم التحدّي في صناعة ثورة إنتاج ابتكاريّة معرفيّة في الّلغة العربيّة لا حدود لها، واعلم أن عليك أن " تبحث عن المعرفة؛ لأنّ المعرفة لا تبحث عن أحد".

مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/18 الساعة 16:15