قتل الأبرياء بحجة التعبير عن الرأي

أ. د. ليث كمال نصراوين
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/18 الساعة 02:22
نعت الأسرة الأردنية الواحدة قبل أيام أحد أبطال جهاز الأمن العام الشهيد الدكتور عبد الرزاق الدلابيح، الذي طالته يد الغدر والجبن أثناء تأديته واجبه الوطني في حماية الأمن والنظام العام من المخربين الذين يتبجحون بحريتهم في التعبير والرأي، لكي يعيثوا فسادا وخرابا في الوطن.
فالجريمة النكراء التي ارتكبها أحد الجبناء بحق الشهيد البطل، والتي أدمت عيون أسرته وأبنائه وجميع الشرفاء الأحرار، هي اعتداء آثم على حياة أردني كان يقوم بتنفيذ أحكام القانون، وبالأخص المادة (4) من قانون الأمن العام رقم (38) لسنة 1965 وتعديلاته، التي تلزم قوات الأمن العام بالمحافظة على النظام والأمن وحماية الأرواح والأعراض والأموال، والاشراف على الاجتماعات في الطرق والأماكن العامة.
إن الحق في التجمع السلمي يعتبر من الحقوق الأساسية التي تشكل آليات التعبير الحر عن الرأي في مجتمع ديمقراطي. فهو يقوم على اجتماع مجموعة من الأفراد بشكل سلمي وفي مكان عمومي لمناقشة قضايا مشروعة ومتنوعة، وللتعبير عن آرائهم ومطالبهم حولها. ونظرا لارتباط هذا الحق بسلامة المجتمع وسير مظاهر الحياة العامة، فقد حرص المشرع الدستوري على تكريسه في المادة (16) من الدستور وعلى تقييد ممارسته وفق التشريعات الوطنية، بالقول إن «للأردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون».
وقد صدر لهذه الغاية قانون الاجتماعات العامة رقم (7) لسنة 2004 ليكون الأساس في تنظيم إجراءات عقد الاجتماعات العامة والمسيرات. وقد خضع هذا القانون لتعديل إيجابي في عام 2011 بحيث جرى إلغاء شرط موافقة الحاكم الإداري المسبقة على عقد الاجتماع العام أو تنظيم المسيرة، والاستبدال به مجرد تقديم إشعار خطي مسبق له بعقد الاجتماع العام، وذلك قبل الموعد المعين لإجرائه بثمان وأربعين ساعة على الأقل. ويلزم القانون المعدل منظمي الاجتماع العام أو المسيرة بأن يُضمّنوا الإشعار الخطي المقدم منهم أسماءهم وعناوينهم وتواقيعهم والغاية من الاجتماع أو المسيرة، ومكان وزمان أي منهما.
إن هذا التعديل الإيجابي في تقرير الحق في التجمع السلمي وربطه بمجرد الإشعار الخطي قد جعل الأردن في مقدمة الدول العربية في مجال الحق في الاجتماع العام، إذ لا تزال الأنظمة القانونية المقارنة توقف ممارسة هذا النشاط الدستوري على موافقة مسبقة من الجهات الإدارية المسؤولة، وتفرض عليه قيودا إجرائية عديدة.
في المقابل، فإن تقرير الحق في الاجتماع العام يجب أن يرتبط بسلمية التجمع، بحيث يكون الهدف من الالتقاء مناقشة قضايا عامة ذات اهتمام مشترك. فينعدم الطابع السلمي لأي تجمع بشري إذا كان هدفه غير مشروع؛ كأن يدعو إلى المس بالوحدة الوطنية، أو الإعلان عن أفكار تمس المشاعر الدينية أو القومية أو اللغوية لفئة أو تيار سياسي معين، أو الاعتداء بالقتل أو الضرب على المواطنين أو رجال الأمن العام المكلفين بحماية المتظاهرين.
وهذا ما يقره القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يُجرد أي تجمع بشري من صفته السلمية في حال خروجه عن أحكام القانون، حيث أكدت اللجنة المعنية لحقوق الإنسان والمنبثقة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في تعليقها رقم (37) لسنة 2020 بالقول «يتعارض التجمع السلمي مع التجمع الذي يتسم بعنف خطير وواسع النطاق، فلا يجوز ممارسة هذا الحق باستخدام العنف، وعادة ما يعني (العنف) استخدام المشاركين القوة البدنية ضد الآخرين، مما قد يؤدي إلى الإصابة أو الوفاة، أو إلى إلحاق ضرر جسيم بالممتلكات العامة أو الخاصة».
كما أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على حق الدولة في فض التجمعات غير السلمية بالقوة، حيث عرّفت التجمع غير السلمي في قضية حزب الشعوب المسيحي الديمقراطي ضد مولدوفا في عام 2010، بأنه ذلك «الاجتماع الذي ينوي منظموه والمشاركون فيه استخدام العنف، أو يعتزمون الاستخدام أو الدعوة أو التحريض على العنف الوشيك».
وعليه، فإن ما أقدم عليه المحتجون من سلوكيات شائنة تتمثل بازهاق روح الشهيد البطل عبد الرزاق الدلابيح والاعتداء بالتكسير والحرق على المؤسسات العامة والملكيات الخاصة، تشكل جرائم جزائية ستطالهم يد العدالة. كما يثبت الحق للدولة بأن تدافع عن نفسها، وأن تمنع حدوث مثل هذه الأحداث في المستقبل، والتي هي بعيدة كل البعد عن وصفها بالتجمع السلمي المقرر وفق أحكام القانون.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/18 الساعة 02:22