كيف نفسر تحقق بعض إمارات أشراط الساعة في الواقع وقد وردت في أحاديث موضوعة؟
مدار الساعة -السؤال
قرأت حديثا عجيبا فهرعت للتأكد من صحته، وهو حديث سلمان عن أمارات الساعة في حجة الوداع، وحسب إجابة السؤال:(263281) في موقعكم فإن الحديث موضوع. وسؤالي: أننا نرى كثيرا مما ورد في هذا الحديث واقعا ملموسا في عالم اليوم، فكيف نفسر ذلك؟ وهل وردت علامات الساعة المذكورة في أحاديث أخرى صحيحة؟ وخاصة مايتعلق بالجوانب الإجتماعية؟
الجواب
الحمد لله.
الحديث المشار إليه (حديث سلمان في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء حجته وهو ممسك بحلق الكعبة ). وهو حديث مطول في أمارات الساعة وأشراطها، وهو حديث موضوع، كما سبق بيانه.
وظهور ما ورد في هذا الخبر في عصرنا لا يدل على أنه خبر ثابت؛ وإنما هذا راجع إلى أن واضع هذا الحديث جمع في تأليف هذا الخبر بين أمرين:
الأمر الأول:
أن بعض الأمارات المذكورة ، كانت قد ظهرت في ذلك الزمان الذي ظهرت فيه هذه الرواية ؛ فعمد الراوي الوضاع إلى أن صاغها في حديث مكذوب!!
فالمتهمون بوضع هذا الحديث عاشوا في عهد الخلافة العباسية.
فسليم الخشاب عاش تقريبا في القرن الثاني هجري؛ لأنه يروي عن ابن جريج، وابن جريج توفي سنة 150 هـ.
وكذا الحال بالنسبة لميسرة بن عبد الله.
وفي العصر العباسي الذي يرجح أن يكون هذا الحديث قد وضع فيه، كانت قد فشت بعض المظاهر الاجتماعية والأخلاقية ، التي ذكرها هذا الخبر المكذوب باعتبارها أمارات للساعة ؛ ومن ذلك: تطويل المنابر، فقد ظهر في عصر الخلافة الأموية، وكذا الافتتان بالغلمان ، فقد بدأ ظهور هذه الفتنة في ذلك العصر ، كما يظهر من بعض الحوادث التاريخية وفتاوى علماء ذلك العصر، وكما يظهر في شعر مجان شعراء ذلك الزمن، وكذا الحلف بالطلاق ، فقد كان معروفا في ذلك الزمن، فالأقوال في حكمه مروية من عصر السلف الصالح.
الأمر الثاني:
أن راوي هذا الخبر، قد ركّب متون عدد من الأحاديث الصحيحة، مع الفقرات التي اخترعها من عندها ؛ ثم ساق الجميع مساق خبر واحد.
فمثلا فشو التجارة وانتشارها حتى تشارك المرأة زوجها في تجارته، قد ورد في حديث عَبْدِ اللهِ بن مسعود، أنه ذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ، وَظُهُورَ الْقَلَمِ ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (6/ 415-416).
وقال محققو المسند: إسناده حسن.
وكذا تقارب الأسواق رواه الإمام أحمد في "المسند" (16/422) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْكَذِبُ، وَتَتَقَارَبَ الْأَسْوَاقُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: الْقَتْلُ).
وقال محققو المسند: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وتصديق الكاذب وتكذيب الصادق وتكلم الرويبضة، ورد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ)، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: (السَّفِيهُ - وفي رواية: الرَّجُلُ التَّافِهُ - يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ) رواه ابن ماجه (4036)، أحمد(13/291).
وقال محققو المسند ما حاصله: حديث حسن، بمجموع طرقه.
والتطاول في البنيان وولادة الأمة ربتها أو ربها، ورد في حديث سؤال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم، عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّابِ قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: (يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ) رواه مسلم(8).
وأمر زخرفة المساجد، رواه أبو داود (449) عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ).
وصحح إسناده الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2/ 348–349).
وأشراط الساعة الصغرى التي وقعت والتي لم تقع بعد: أحاديثها كثيرة لا يحتملها مثل هذا الجواب. وللاطلاع عليها، تحسن مطالعة كتاب: "أشراط الساعة"، د. يوسف الوابل، و"صحيح أشراط الساعة" للشيخ عصام موسى هادي، وكتاب: "القيامة الصغرى" للشيخ عمر سليمان الأشقر رحمه الله تعالى.
وهي متوفرة على شبكة الإنترنت.
والله أعلم.